خلود الأطروحة الحسينية
الإحياء العاشورائي
رافدية ذكرى عاشوراء تتمثّل في إحياء حقبة تاريخية عاشها الإمام الحسين(عليه السلام) وما جرى فيها من أحداث، ومن المثمر أن يهتمّ الإنسان لإحياء التاريخ، لا سيّما إذا كان يتعلّق بسيّد شباب أهل الجنّة وباقي الأئمّة(عليهم السلام).
تأثير إحياء التاريخ في شخصية الإنسان وهويّته
عموماً إحياء التاريخ وتعايش الإنسان معه له أبعاده في شخصيته وهويّته، حيث إنّه لابدّ أن نفرّق بين حياة الإنسان كروح وعقل وذات حيويّة مدركة من جهة وبين حياة البدن من جهة أُخرى.
الفرق بين طبيعة البدن وطبيعة الروح وأحكامهما
الكثير من الناس يخلط بين أحكام البدن وأحكام الروح، البارىء قدّر للروح أن تعيش في نشأة تتجاوز أُفق البدن سواء من جهة البدء أو من جهة الانتهاء; لأنّ طبيعة الروح هي أنّها موجود غريب جدّاً عن البدن ; لأنّها مخلوق ذو أفق كبير واسع، والبدن في تواجده ونموّه واستوائه وتطوّره يعيش هذه الحقبة من العمر ربّما ستّين أو سبعين أو مائة سنة، فهو موجود محدود بوقت معيّن، بينما الروح تبقى ومداها يكون واسعاً جدّاً. والأجيال السابقة مؤثّرة في البدن من ناحية الجينات الوراثية.
التاريخ بالنسبة للروح شيء حاضر
الروح شرّفها الله تعالى بشرف خاص وأضافها إلى ذاته، وقد أطلق لفظ الروح على الذات الإلهية المقدّسة فقال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}[1]، إنَّ التاريخ بالنسبة للروح ليس تاريخاً، بل شيء حاضر، والمستقبل بالنسبة للروح ليس مستقبلا، بل شيء حاضر، والإنسان يتفاعل مع الشيء الحاضر بصورة مرنة، والروح بالنسبة إلى ما مضى وما سيأتي من خلال إدراكاتها ومواقفها شيء حاضر لديها وليس شيئاً ماضياً.
القرآن الكريم يخاطب الروح
والقرآن الكريم لا يخاطب البدن، وإنّما يخاطب الروح، والروح حاضرة في كلّ هذه الخطابات، وترتبط الروح بالأحداث الخارجية عن طريق قناة الإدراك، وهذه القناة كما هي موجودة بين الروح وبين الأحداث الراهنة، هي موجودة أيضاً بين الروح وبين ما مضى على البدن وما سيأتي عليه، فالروح على استواء في التفاعل والإدراك والتعايش والتأثير والتأثّر مع كلّ أحداث العالم الجسماني فيما مضى وفيما سيأتي، وهذا ما يفسّر لنا القاعدة الاعتقادية الفكريّة الشريفة التي تقول: إنَّ الإنسان ملزم بأن يحبّ الصالحين، ويكره وينفر ويتبرّأ ويشجب ويستنكر الظالمين، وأنّ من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حبّ المعروف قلباً، كما أنّ من مراتب النهي عن المنكر كراهة المنكر قلباً، فإن كان المعروف واجباً كان حبّه واجباً وإن كان المنكر حراماً فكرهه يكون واجباً أيضاً، وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال في حديث: “يا عطيّة، سمعت حبيبي رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: من أحبّ قوماً حشر معهم، ومن أحبّ عمل قوم أشرك في عملهم”[2].
الحبّ والبغض مسؤولية كبيرة
وهذا يفسّر لنا لماذا يتعلّق الحبّ بهذه المرتبة الكبيرة؟ وقد تميّزت مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) بهذه القضية، فلا تجد مذهباً من المذاهب التي تنتمي إلى الديانات السماوية أو من غيرها من الملل والنحل يتحسّس من موضوع الحبّ والبغض كما هو مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فهو مذهب يحثّ على التضامن والمساندة ووحدة الموقف كما هو في المصطلحات الحديثة، أو التولّي كما هو في المصطلح الديني، وفي مقابل ذلك الاستنكار والشجب والإدانة، وبالمصطلح الديني التبرّي، وسواء استخدمنا المصطلح الحديث أم المصطلح الديني فالموقف المطلوب الذي يطلبه أهل البيت(عليهم السلام) من أتباعهم هو موقف واحد يتمثّل في التضامن مع المظلوم والبراءة من الظالم انطلاقاً من مسؤولية الموقف تجاه الظالم والمظلوم.
الروح هي المسؤولة عن الحبّ والبغض
والروح هي المسؤولة عن الحبّ والبغض، وما حدث في التاريخ وما سيحدث له أثره الكبير على الروح وتلوين الروح وتشخيص هويّة الروح، فالحوادث التاريخية ليست شيئاً أكل الدهر عليها وشرب، وإنّما هي حوادث حاضرة ومؤثّرة على الروح، وقد يعبّر عن الروح بأنّها حصيلة معلومات، ولا يمكننا أن نتصوّر الروح من غير معلومات.
خلود الروح الحسينية
والحسين مخلّد، والخلود هنا هو خلود الروح، يعني خلود الروح والأطروحة الحسينية، فعاشوراء لا زالت حيّة وغضّة وطريّة تربّي الأجيال على قيم الثورة والتحرّر ورفض العبودية.
معياريّة الثورة الحسينية
ونستطيع من خلال الثورة الحسينية أن نكتشف الزلاّت والثغرات في الأطروحات المنحرفة، ونستطيع أن نجعل الثورة الحسينية معيار الإصلاح الذي نقيس به أيّ حركة إصلاحية، وعندما يقع الفساد فإنّنا بحاجة إلى رايات الإصلاح، نحن نمتلك برامج ثريّة وغنيّة لا يمكن أن يدخلها الفساد. ونستطيع من خلال الحسين(عليه السلام) أن نسابق البشرية على صعيد حقوق الإنسان، وعلى صعيد السلم البشري.
ومدرسة سيد الشهداء(عليه السلام) فيها ما شاء الله من الكنوز والعطايا، وعندما نتكلّم عن الإحياء العاشورائي فإنّنا لا نقصد بذلك حضور المجالس الحسينية فحسب، بل قراءة الوقائع التاريخية الحسينية وتحليلها وتطبيقها على الواقع من مصاديق الإحياء أيضاً، ونشر هذه الثقافة وتداولها يصبّ في مصبّ الإحياء.
* آية الله الشيخ محمد سند – بتصرف
[1] الحجر (15): 29.
[2] مستدرك الوسائل 12: 108، الحديث 13648.