نصر المؤمنين
شبكة المعارف الإسلامية_بتصرف
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
تتحدثُ الآيةُ المباركةُ عن معركةٍ فاصلةٍ في تاريخِ الإسلامِ، وهي معركةُ بدرٍ التي جعلتْ منَ المسلمينَ قوةً تتحدَّى أهلَ الشركِ والضلالِ، وفي ذلك الزمانِ كانت المعادلةُ السائدةُ مختلفةً تماماً، فلم تكن العادةُ تسيرُ على أنْ ينتصرَ الضعيفُ، أو أن تكونَ الغلبةُ للقلّةِ على الكثرةِ، فجاءت المعادلةُ الجديدةُ وقوامُها يعتمدُ على أنّ الصفاتِ الذاتيةَ والمتمثلةَ بالإيمانِ الصحيحِ والراسخِ وسائرِ الصفاتِ الأخلاقيةِ والدينيةِ يمكنُها أنْ تتغلَّبَ على أعظمِ القوى الماديةِ قهراً وقدرةً وتسلّطاً وتجبّراً.
وبهذا يكونُ المسارُ الجديدُ أنّ من توافرتْ لديهِ هذه الصفاتُ يُمكنهُ أن يُجبرَ كلَّ نقصٍ مادّيٍّ أو ضعفٍ في موازينِ القوّةِ، ولذا لا بدَّ وأنْ نرجعَ إلى وصفِ تلك القوّةِ الإيمانيةِ كما يذكرُها أمير المؤمنينَ في نهجِ البلاغةِ فنجدُ التالي:
1- الإيمانُ والتسليمُ: حيث يقولُ عليه السلام: “قَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّه صلّى الله عليه وآله، نَقْتُلُ آبَاءَنَا وأَبْنَاءَنَا وإِخْوَانَنَا وأَعْمَامَنَا، مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلَّا إِيمَاناً وتَسْلِيماً، ومُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ، وصَبْراً عَلَى مَضَضِ الأَلَمِ، وجِدّاً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ”، فالتسليمُ والإيمانُ عنصرانِ أساسيّانِ يدفعانِ الإنسانَ للقيامِ بما توجبانِه دونَ نظرٍ إلى المعاييرِ المخالفةِ لهما من قتلِ الإخوةِ والأبناءِ والأعمامِ بل هما من أهمِّ الأبوابِ التي ترفعُ الإنسانَ إلى المزيدِ في الإيمانِ والتسليمِ والجهادِ.
2- إحكامُ المعرفةِ بالقرآنِ وحماسةُ الجهادِ: ويصفُهم أيضاً في رواية أخرى فيقولُ: “أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الإِسْلَامِ فَقَبِلُوه، وقَرَءُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوه، وهِيجُوا إِلَى الْجِهَادِ فَوَلِهُوا، وَلَهَ اللِّقَاحِ [الناقة] إِلَى أَوْلَادِهَا، وسَلَبُوا السُّيُوفَ أَغْمَادَهَا، وأَخَذُوا بِأَطْرَافِ الأَرْضِ زَحْفاً زَحْفاً، وصَفّاً صَفّاً بَعْضٌ هَلَكَ وبَعْضٌ نَجَا، لَا يُبَشَّرُونَ بِالأَحْيَاءِ، ولَا يُعَزَّوْنَ عَنِ الْمَوْتَى”.
3- قوةُ الرأي والشجاعةُ والحِلمُ ويصفُ أصحابَ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله بقوله: “قَوْمٌ واللَّهِ مَيَامِينُ الرَّأْيِ، مَرَاجِيحُ الْحِلْمِ، مَقَاوِيلُ بِالْحَقِّ، مَتَارِيكُ لِلْبَغْيِ، مَضَوْا قُدُماً عَلَى الطَّرِيقَةِ، وأَوْجَفُوا عَلَى الْمَحَجَّةِ، فَظَفِرُوا بِالْعُقْبَى الدَّائِمَةِ، والْكَرَامَةِ الْبَارِدَةِ”.
4- الارتباطُ الوثيقُ باللهِ عزَّ وجلَّ والصلةُ الدائمةُ به: ولذا يصفُهم الإمامُ عليه السلام بقولِه: “مُرْه الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ، خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ، ذُبُلُ الشِّفَاه مِنَ الدُّعَاءِ، صُفْرُ الأَلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ عَلَى وُجُوهِهِمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعِينَ، أُولَئِكَ إِخْوَانِي الذَّاهِبُونَ، فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَيْهِمْ، ونَعَضَّ الأَيْدِي عَلَى فِرَاقِهِمْ”.
ويُخاطبُ أصحابَه مبيّناً عليه السلام صفة أصحاب الرسول المنتجبين: “لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وآله فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ، لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً، وقَدْ بَاتُوا سُجَّداً وقِيَاماً، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وخُدُودِهِمْ، ويَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ، كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى، مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ، إِذَا ذُكِرَ اللَّه هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ، حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ، ومَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ ورَجَاءً لِلثَّوَابِ”.
إنّ مصيرَ من يحمل هذه الصفاتِ هو: “فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ”.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين