الالتزام بالتكليف الشرعيّ
من كتابٍ لأميرِ المؤمنينَ علي (عليه السلام) إلى الحارث الهمدانيّ يقول له:”واحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يَرْضَاه صَاحِبُه لِنَفْسِه – ويُكْرَه لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ – واحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِه فِي السِّرِّ – ويُسْتَحَى مِنْه فِي الْعَلَانِيَةِ – واحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ إِذَا سُئِلَ عَنْه صَاحِبُه أَنْكَرَه أَوْ اعْتَذَرَ مِنْه”.
تُرشدنا تعاليمُ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) إلى أن المعيارَ الأساسَ الذي ينبغي للمؤمنِ أن يجعلَهُ معياراً في أفعالِهِ هو التكليفُ الشرعيُّ، أي مطابقةُ الفعلِ لما أمرَ اللهُ به أو نهى عنهُ.
وفي كلامِ الإمام (عليه السلام) هنا إلى الحارثِ الهمدانيِّ وهو من خواصِ أصحابِه دلالةٌ وهدايةٌ إلى معاييرَ لو وضعَها الإنسانُ أمامهُ وقاسَ عليها كلَّ عملٍ يريدُ القيامَ به لكان في حِرزٍ من أن يقعَ في الخطأ واللومِ، ولا يرتبطُ ذلكَ فقطْ بما هو حلالٌ وحرامٌ بل حتى بما لا ينسجمُ معَ الآدابِ الإسلاميةِ والأخلاقِ التي هي كمالٌ مطلوبٌ للإنسانِ المؤمنِ حتى لو لم يترتّبْ عليها عقابٌ في الآخرةِ.
وهذه المعاييرُ هي:
1- أن يساوي الناسَ بنفسهِ، فيتعاملُ معهم كما يتعاملُ مع نفسهِ، فإذا كنتَ ترى في عملٍ أنّه حسنٌ ومفيدٌ ونافعٌ وتحبهُ لنفسكَ فعليكَ أن تُحبَّه لغيرِكَ أيضاً. فعليك أن تعاملَ الناسَ كما تُحبُّ أن تكونَ معامَلَتَهُم معَك، فالإنسانُ يحبُ مَن يُعامِلُ بالعفوِ إذا أخطأَ فعليه أن يعفوَ عن غيرهِ، يقول (عليه السلام) في خطابهِ لمالكِ الأشتر:”فأعطِهم من عفوِكَ وصفحِكَ مثلَ الَّذي تُحبُّ أن يعطيَكَ اللَّهُ من عفوهِ وصفحِهِ”. وكما يُحبُّ أن يسترَ الناسُ عليه فلتكن طريقتُه السترَ على الناسِ:”فاسترْ العورةَ ما استطعتَ يستر اللَّهُ منك ما تُحبُّ سترَه من رعيَّتِك”.
2- أن لا يرتكب في السرِّ أيَّ عملٍ يخجلُ منهُ لو فعلَه في العلانيةِ، وهذا يرجعُ أولاً إلى الإحساسِ التام بالرقابةِ الإلهية، إذ لا يخلو مكانٌ لا يكونُ اللهُ مطَّلِعاً فيه على أعمالِ العبادِ، ولذا فكلُّ عملٍ عند اللهِ هو علانيةٌ، يقول (عليه السلام):”اتّقوا معاصي اللهِ في الخلواتِ، فإنّ الشاهدَ هو الحاكمُ”.
ومن مواردِ ذلك أن يبادرَ الإنسانُ إلى عملِ خيرٍ في العلانيةِ ولكن نيته لا تكونُ خالصةً في الخيرِ بل يكونُ لأهدافٍ خفيةٍ ومصالحَ غيرِ معلنةٍ، ولو عرفها الناسُ لأنكروا عليه ذلك، يقول (عليه السلام):”اللَّهم إنّي أعوذ بك من أن تُحسّن في لامعةِ العيونِ علانيتي وتقبّحَ فيما أُبطِنُ لك سريرتي”.
3- أن ينظرَ في العملِ الذي يريدُ القيامَ به، ويسألَ نفسَهُ التالي: لو سألني الناسُ عنه فهل أملكُ جواباً صحيحاً في تبريرِ ما قمتُ به؟ فإذا وجدَ أنه سوف يلجأُ إلى إنكار قيامِهِ به والكذب، أو سوفَ يلجأ إلى الاعترافِ والاعتذارِ عن فعلِهِ، فعليه منذ البدءِ أن لا يُقدِم على فعلهِ وبهذا يجتنبُ الكذبَ والاعتذارَ. وهذا يعني ضرورةَ التدبيرِ والتفكيرِ بعاقبةِ أيِّ فعلٍ تقومُ به، يقول الإمامُ (عليه السلام):”فالنّاظرُ بالقلبِ، العاملُ بالبصرِ، يكونُ مبتدأُ عملِهِ أن يعلمَ: أَعَمَلُهُ عليه أم له فإنْ كان لهُ مضى فيهِ وإنْ كان عليهِ وقفَ عنه”.
وعن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام):”لا ينبغي للمؤمنِ أن يذلَّ نفسَهُ، قلتُ: بما يذلُّ نفسَه؟ قال:يدخلُ فيما يعتذرُ منه”.
* شبكة المعارف الإسلامية – بتصرف
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين