عظمة السيدة زينب (عليها السلام)؛ مواقفها الجليلة أمام الحوادث الخطيرة
عظمة زينب الكبرى (1) إن شخصية زينب الكبرى ذات أبعاد عديدة. فهي عالمة بأمور الدين وعارفة مرموقة وإنسانة بارزة، يُذعن لعظمة علمها ومعرفتها ونفسيتها كلُّ من وقف على حقيقة شخصيتها.
والبُعد الأبرز في حياة زينب الكبرى، أن إيمانها بالله والثقة برحمة وعظمته، كان من السعة والعظمة بحيث تتصاغر أمامها جميع الحوادث الكبيرة وإن كانت بحجم يوم عاشوراء.
ولا يمكن للجبروت الظاهري الذي يتمتّع به ساسةُ جورٍ من أمثال يزيد وعُبيد الله بن زياد أن ينتقص من كبرياء زينب الكبرى وعظمتها.
إنّ يزيد وعبيد الله بن زياد قد تصاغرا أمام هذه المرأة الأسيرة الّتي مَثُلت أمامهما مغلولة اليدين.
إذ وظّفت يَومها جميع ما تمتلكه من عواطف المرأة وعظمتها، واطمئنان قلبها وثبات جناحها، وفصاحة لسانها وهو لسان الصادقة المجاهدة في سبيل الله، المنهمر بزلال المعارف فيسود الوُجُوم وتستولي الدهشة على السامعين والحاضرين. إنّ قوة كبريائها كإمرأة تجعل الكبرياء الكاذب والمزيف متصاغراً ومحتقراً أمامها.
إنّ عظمتها كإمرأة عبارة عن مزيج من الحماسة والعاطفة الإنسانية التي لا يمكن توفرها في أيّ رجل، والمتانة الشخصية والاستقامة الروحية التي تستوعب جميع الحوادث الكبيرة والخطيرة، وتطأ بقدميها جمر المحن بشجاعة وتتجاوزها، وفي الوقت نفسه تقدّم الدروس وتُلهب النفوس، وتعمل على توعيتها.
وتسهر كأم عطوف على راحة إمام زمانها زين العابدين، وتجعل من نفسها سدّاً منيعاً لتحفظ صغار أخيها وغيرهم من أيتام هذه الحادثة، وتصونهم وسط هذا الطوفان العاتي والزوبعة الجارفة.
ما سر عظمة السيدة زينب (2) ما هو مَرَدّ عظمة هذه المرأة في أنظار الشعوب الإسلاميّة؟ لا يمكن القول لأنّها إبنة علي بن أبي طالب (عليه السلام) أو لأنّها شقيقة الحسن بن علي والحسين بن علي (عليه السلام). إنّ النسب لا يمكنه أبداً صناعة مثل هذه العظمة. كان لكل أئمتنا بنات وأمهات وأخوات، ولكن أين نجد نظيرة لزينب الكبرى؟
تعزى قيمة وعظمة زينب الكبرى إلى الموقف والخطوة الإنسانية الإسلامية الجليلة التي اتخذتها بناءً على التكليف الإلهي. فعلها وقرارها وطبيعة تحركها، هي التي تسبغ عليها كل هذه العظمة. فكل من تقوم بهذا، حتى لو لم تكن ابنة أمير المؤمنين (عليه السلام) ستكون العظمة نصيبها.
جزء كبير من هذه العظمة مَرَدّه إلى أنها عرفت الظرف أولاً: الظرف قبل مسير الإمام الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء، والظرف في ساعات المحنة يوم عاشوراء، وأيضاً الظرف عند الأحداث الوبيلة بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وثانياً لأنّها قررت أمراً وفقاً لكل ظرف، هذه القرارات هي التي صنعت زينب.
قبل المسير إلى كربلاء، وجمت شخصيّات كبيرة مثل ابن عبّاس وابن جعفر ورموز معروفة في صدر الإسلام كانت تدّعي التفقه والشجاعة والرئاسة والنسب الشريف وما إلى ذلك، ولم يدركوا ما كان عليهم أن يفعلوه. أمّا زينب الكبرى فلم تتحيّر وأدركت أنّ عليها أن تسلك هذا الطريق، ولا تترك إمامها لوحده، فسارت. لم تكن تجهل أنه طريق شائك، فقد شعرت بذلك أفضل من غيرها. كانت امرأة؛ امرأة تترك زوجها وأسرتها لمهمة، ولذلك أخذت معها أطفالها وصغارها، كانت تشعر كيف ستجري الأمور.
في تلك الساعات المأزومة حيث يعجز أقوى الأشخاص عن إدراك ما يجب عليه فعله، أدركت هي واجبها وساندت إمامها وجهزته لاستقبال الشهادة. وبعد استشهاد الحسين بن علي (عليه السلام) حيث أظلمت الدنيا، وكسفت القلوب والأرواح وآفاق العالم، كانت هذه المرأة الكبيرة نوراً متألقاً. لقد بلغت زينب مكاناً لا تبلغه إلا أرفع الشخصيّات في تاريخ الإنسانيّة، وأعني بهم الأنبياء.
(1) الإمام الخامنئي ، من كلمة له بمناسبة الإنتخابات الرئاسية وولادة السيدة زينب (عليه السلام) بتاريخ 15ـ 6 ـ 2005 م. (2) من كلمة الامام السيد علي الخامنئي (حفظه الله) في لقائه عدداً حاشداً من الممرضات بمناسبة ذكرى ميلاد السيدة زينب الكبرى (عليه السلام) ويوم الممرضة؛ 22/8/1370ه. ش.