أرحّب بكم أجمل ترحيب أيها الإخوة الأحبّاء والأخوات العزيزات، الذين شرّفتم إلى هنا. أتقدم بالشكر لحضرة السيد “نورمفيدي” وسائر الإخوة القائمين على هذا العمل العظيم وهذه الحركة الخالدة التي انطلقتم بها حول الشهداء الأعزاء في تلك المنطقة.
عملٌ بالغ الأهمية!
إنّ قضية الشهداء قضية في غاية الأهمية، ونحن ما زلنا لم نُجرِ بعد تقويمًا حقيقيًا لأهمية العمل الذي قام به شبابنا في هذه الفترة الطويلة التي أعقبت انتصار الثورة وحتى يومنا هذا، ولا سيما فترة الدفاع المقدس، أي إننا حتى الآن لم نُظهِر ولم نَعرِض ذلك الوزن الحقيقي لهذا العمل في صيانة ثورتنا ونظامنا وبلدنا وعزّتنا الوطنية ومستقبلنا وتاريخنا، ولعلّنا لم نحدّده حتى. ومن هنا، فإنّ هذه الأعمال التي تقومون بها هي أعمالٌ بالغة الأهمية في هذا المجال وعلى هذا الطريق.
إن كلام السيد نورمفيدي حول قضايا الثورة كان وافيًا وجيدًا وصحيحًا بالكامل، وكذلك كلام سائر السادة أيضًا. ورغم أن بعض ما قيل من موضوعات، له صلته بالحكومة، ولكن على أي حال، فإنها موضوعات تتعلق بمنطقة هامة وهي منطقة كلستان.
مناقب محافظة كلستان
أشير هنا في بضع كلماتٍ إلى مناقب محافظة “كلستان”. هذه المنطقة من حيث الطاقات الإنسانية والجماهيرية من المناطق المميزة حقًا لأسباب مختلفة. أولًا؛ ثمة نقطة فائقة الأهمية أكّد عليها السيد نورمفيدي، وهي أن أهالي هذه المنطقة يقدّمون نموذجًا للتعايش الطيب والمؤثر بين الأقوام والمذاهب في مدينة جرجان ومنطقة “كلستان” و”تركمن صحراء”، وهذا في غاية الأهمية.
إن الأموال التي تُنفق اليوم لإثارة الاختلاف والفتنة بين المذاهب الإسلامية وبين السنة والشيعة، وغرف التفكير، بتعبير الغربيين -التي يجتمعون فيها للتفكير والتخطيط والبرمجة- لو تم توضيحها للناس لأثار استغرابهم حقًا، بأن كل هذه الأعمال تجري من أجل ألّا يجلس مسلمان -أحدهم سني والآخر شيعي- أحدهما إلى جانب الآخر، فلا يتكلم أحدهما مع الآخر، ويحمل كل منهما الحقد على الآخر، فيتقاتلان، ويشهران السلاح أحدهم بعضهما ضدّ بعض. لكن على الرغم من كل ذلك، فقد حدث في إيران الإسلامية عكس ما يريدونه بالضبط. من أفضل المناطق في هذا المجال، منطقة كلستان التي زرتها قبل الثورة وذهبت إلى بعض مدنها من قبيل “كنبدقابوس” و”جرجان” و”كاليكش” وغيرها، وأعرف كم يبذل الناس فيها من مساعٍ وجهودٍ في سبيل الحفاظ على هذا التعايش والتعاون والمحبة المتبادلة. هذا أمر بالغ الأهمية، ويجب حفظه وصيانته.
قبل أعوام وخلال زيارتي إلى “جرجان”، قصدتُ يومًا أو نصف يوم -لا أذكر مقداره- مدينة كنبد قابوس، وكانت الأغلبية الساحقة للجماهير التي اجتمعت في هذه المدينة للتعبير عن حبها لنا، من إخواننا أهل السنة. وهذا بالضبط على العكس مما يقوم به اليوم السعوديون والتكفيريون ومن ورائهم أمريكا وأجهزة التجسّس للمخابرات الأمريكية والبريطانية وأمثالهم. أي أنه عملٌ سياسي هادف وموجّه وصحيح وقاطع بكل ما في الكلمة من معنى. هذه هي واحدة من مناقب منطقة كلستان، وباعتقادي أنّها فائقة الأهمية.
سيدة تركمانية تحجّ عنّي!
قبل بضعة أشهر، وصلتني رسالة من عائلة تلك السيدة التركمانية[2] التي استشهدت في أحداث منى. حيث كتبت لي عائلة هذه السيدة بأنها سافرت إلى مكة بالنيابة عني أنا الحقير – في هذه الرحلة أو الرحلة السابقة- وأشهدَت شخصًا على ذلك، وهذا أمرٌ ذو أهمية كبيرة. سيدة تركمانية تذهب إلى مكة وتحجّ بالنيابة عني أنا الحقير، دون أن أعرفها وأسمع باسمها، ثم تُشهد أحدهم على ذلك أيضًا -حيث شهدوا وكتبوا ووقّعوا وأرسلوا هذه الشهادة إلي قبل أشهر- هذه من نقاط القوة الحقيقية في بلدنا وفي أوساط شعبنا.
إن هذه الحرب غير المتكافئة التي يتحدثون عنها، تعني أنّ أحد الطرفين يتمتع بأدوات ومعدات لا يمتلكها الطرف الآخر، بل وأحيانًا لا يعرفها، وهذه من مصاديقها. فإن هذه المحبة وهذه العلاقة وهذا الانسجام، أمورٌ لا يعلم بها الطرف الآخر -الاستکبار العالمي والصهىونية وأمريكا أبدًا- بل ولا يعرفها ولا يمكنه حتى تحليلها أيضًا. هذه نقطة.
هناك نقطة أخرى تتعلق بوفاء هؤلاء الناس للثورة وقضاياها. في العام 1343ه ش(1964م) قصدتُ مدينة جرجان، وكنتُ أرتقي المنبر فيها، وكان ذلك بعد عامٍ تقريبًا من أحداث الخامس عشر من خرداد[3] (5/6/1963)؛ في العشرة الثانية أو الثالثة من شهر صفر، ذلك التجمّع والحراك والاستقبال والحماسة الذي كان يُبديه الناس، أثار دهشتي واستغرابي، وهو يدلّ على صحوة الناس وتعلقهم بهذه الحركة، رغم أنّ الثورة يومذاك لم تنتشر بعد ولم تكن قد شملت المناطق كافة.
ثم تلتها أحداث فترة الثورة أيضًا. يوم الخامس من آذر[4](26/11/1978) والذي أشار إليه السادة، يعتبر يومًا مهمًا في قضايا مدينة جرجان. حيث سمع الناس في هذه المدينة بالهجوم على حرم الإمام الرضا في مشهد، وانطلقوا بصورة عفوية حماسية، دون أن يدعوهم أحد أو أن يستضيفهم أحد، ونزلوا إلى وسط الساحة، وتعرّضوا للهجوم أيضًا. ثم تكرّر الأمر نفسه بعد أسبوع أو أسبوعين في مدينة كنبدقابوس وفي مدينة كاليكِش أيضًا، حيث نزل الناس إلى الساحة. أو في بداية الثورة وما جرى من أحداث على يد الماركسيين من مجزرة وحركة انفصالية، فإن العامل الرئيس الذي استطاع إنقاذ مدينة “جرجان” أو إنقاذ تلك المنطقة أو إنقاذ “تركمن صحراء” هو صمود الناس وثباتهم. لأن أولئك الذين عشعشوا في هذه المناطق وجنّدوا بعض العناصر فيها، لم يتمتّعوا بحاضنة شعبية، كل مجموعة لا تستند إلى ركيزة شعبية سرعان ما تلحق بها الهزيمة. فإن الناس كانوا مع هذا الجانب ومع الثورة ومن أنصار الإمام الخميني. على أيّ حال، فإنّ مناقب الناس كثيرة والحمد لله.
في فترة الدفاع المقدس أيضًا، سطع نجم الجيش -الفرقة الثلاثين التي أشاروا إليها- وكذلك [نجم] الفرقة الخامسة والعشرين التابعة للحرس الثوري في منطقة كلستان وجرجان، وحقّقوا إنجازات كبرى، وقد أشاروا اليوم إلى بعض هذه الإنجازات. ففي أحد الأيام ذهبتُ إلى المقر وكان السيد نورمفيدي حاضرًا أيضًا مع عدد من أهالي جرجان الأعزاء، ويبدو لي أن المرحوم السيد طاهري[5] كان حاضرًا كذلك، سائلين الله أن يتغمّده برحمته ويرفع من درجاته، فقد كان له دور كبير في هذا المجال. على أيّ حالٍ، فإنّ تواجدهم في جبهات القتال وأنشطتهم كانت عظيمة واستثنائية، وبالتالي، مهما قلنا في حق أهالي جرجان، فهذا ليس بالشيء الكثير. ومن هنا، أبعث سلامي إلى أهالينا الأعزاء شيعة وسنة فردًا فردًا، ولا سيما علماء المنطقة من الشيعة والسنة؛ فليتحمّل حضرة السيد نورمفيدي بالنيابة عني هذا العناء، وليُبلغ سلامي أنا الحقير إلى جميع العلماء في تلك المنطقة وجميع المسؤولين الناشطين فيها والأهالي كافة، فإني حقًا أشعر بالمحبة والثقة والإخلاص تجاه أهالي جرجان.
بشائر رحمة الله للشهيد
ينبغي، كما ذكرنا، أن نحمل قضية الشهداء على محمل الجدّ. يجب علينا أن نقدّر الشهداء تمامًا وبنفس القيم التي ذكرها الله تعالى لهم: ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾(التوبة/جزء آية111)؛ فإنّ أولئك الذين يجاهدون في سبيل الله ويحملون أرواحهم على أكفّهم، لهم منزلتهم سواء قَتَلوا الأعداء أم قُتِلوا، وقد وعد الله سبحانه وتعالى أن يتغمّدهم برحمته. وفي الأحاديث[المروية] أن الذي يبذل نفسه في هذا الطريق، يشاهد علائم [بشائر] رحمة الله وهو لم يخرج من هذه النشأة [الدنيا] بعد؛ أي إنّ الشهيد كما في الروايات بمجرد أن يسقط عن فرسه -حيث كانوا يقاتلون آنذاك على الخيول- يتلقّى الوعد الإلهي قبل أن يصل إلى الأرض. ومعنى ذلك أنّ عينيه تتفتّحان في هذه النشأة ويشهد الحقيقة ويدرك رحمة الله وفضله ويتلقاهما بشكل ملموس. هذه هي قيمة الشهداء. ولولا هذه التضحيات وبذل الأنفس لما بقي هذا النظام، ولاقتُلعت هذه الغرسة التي تعرّضت لأعاصير شديدة. فإنّ سبب بقاء هذا النظام وعدم اجتثاث هذه الغرسة وتبديلها بحمد الله إلى شجرة شامخة، هو هذا الإيثار وهذه التضحيات والروح الاستشهادية، والنزول إلى الميادين، وهذا ما يجب صيانته والحفاظ عليه. يجب معرفة العدو ومعرفة كيده وخططه.
قوة بلدٍ .. بالقرآن وتعاليم الاسلام
تلاحظون اليوم أنّ إيران تمثّل الهدف الأول الذي يستهدفه الاستكبار في مخطّطاته الأساسيّة الناظرة إلى القضايا العالمية والإقليمية؛ لماذا؟ بسبب الثورة الإسلامية، وبسبب هذا الشعب المؤمن، وبسبب الإيمان الإسلامي في هذا البلد. لقد تعرّضنا لهجمات كثيرة، ومن التوفيق أنّ الله سبحانه وتعالى منحنا القدرة والقوة، فأصبحنا نمتلك موارد إنسانية، وبلدًا مفعمًا بالبركة وكبيرًا وواسعًا، وعددَ سكانٍ كبير، وجيلًا شابًا موهوبًا بصيرًا نشيطًا؛ هذه هي إمكانياتنا، وهي ليست قليلة، بل هي إمكانيات عظيمة جدًا، ولا بد لنا من استثمارها. المخاطب بهذا الكلام في الدرجة الأولى هم المسؤولون، ومن بعدهم أبناء الشعب، على الجميع أن يشعروا بالمسؤولية حيال هذا الحدث العظيم الذي تحقق- حيث رفعت راية الإسلام- فهذا ليس بالأمر البسيط. في تلك الفترة التي بذلت كل الأيادي والسياسات والقوى جهودها لعزل الدين عمومًا ولا سيما الإسلام عن الساحة، استطاع أكثر الأديان حيوية وهو الإسلام العزيز وأبلغ المتون الإلهية وهو القرآن الكريم، النهوض والقيام في بلدٍ وبسط قوته على كل أرجائه. مضافًا إلى ذلك، فقد استطاع أن يحطّم الحدود الجغرافية ويدخل إلى شتى بقاع العالم، هذه حادثة عجيبة مدهشة وهامة للغاية. والعدوّ قد شاهد هذه الحادثة وشعر بالخطر، وشرع بجهوده ومساعيه بمحاربة النظام الإسلامي منذ اليوم الأول، إلا أنه والحمد لله، لم يتمكن حتى اليوم من تحقيق شيء، وبفضل الله لن يستطيع فعل شيء بكل تأكيد في المستقبل أيضًا، ولكن بشرط أن نشعر جميعًا بالمسؤولية، بمعنى أن يعتبر كلّ واحد منّا أينما كان، بأنّ واجبه الأول والأساس هو الدفاع عن النظام الإسلامي، وأن ينظّم حركته على هذا الأساس. عملكم هذا وهو إحياء ذكرى الشهداء وتخليد أسمائهم وإقامة المناسبات لهم، لا شك أنه في هذا الاتجاه ويترك أثره في هذا الطريق، وسيبقى لكم بإذن الله صدقة جارية وحسنة خالدة، وسيثيبكم الله تعالى خيرًا على ذلك إن شاء الله.
إنتاج المخاطب وإيصال الكتاب!
إسعوا لإيصال منشوراتكم ومنتوجاتكم هذه إلى الأذهان والجماهير. ومعنى ذلك أن لا نرضى ونقنع ونكتفي بتأليف كتبٍ وحسب، لا شك بالطبع أن تأليف الكتب وإنتاج الأفلام والمنتجات الفنيّة مهم، ولكن إيجاد المخاطب إلى جانب ذلك، أو بمعنى من المعاني إنتاج المخاطب وصناعة الجمهور هو أمر مهم جدًا. حاولوا إيصال الكتاب إلى أذهان القرّاء وعقولهم. فإنّ شبابنا اليوم بحاجة إلى غذاء فكري. إن كثيرًا من شبابنا اليوم، حتى الناشطين والجيدين منهم، لم يدركوا زمن الثورة ولا الإمام الخميني ولا فترة الحرب، وليس لديهم علم بهذه القضايا المختلفة واطّلاع عليها. أنتم الآن قد ذكرتم “يوم الخامس من شهر آذر”، ولكن هل يعلم شباب جرجان ماذا حدث في هذا اليوم؟ هذه قضية فائقة الأهمية. فليعلموا ماذا جرى في هذا اليوم حتى خُلّد في التاريخ؛ هذا هو المهم. أن يتعرف الشباب إلى تاريخهم وماضيهم وهويتهم الثورية. هذا أمر هام جدًا. إسعوا قدر استطاعتكم للقيام بهذا، وبالطبع فإنّ هذا الأمر يحتاج إلى عمل وجهد، أي أنه ليس عملًا بسيطًا. إنّ ما هو أصعب من تأليف الكتاب هو إيصال الكتاب إلى عيون الجمهور وعقولهم. هذا أمر بالغ الأهمية، وهو بحاجة إلى فن وإبداع وإلى دقة، وفيه ظرائف ينبغي أن تمكّنكم من إيصال هذه المسائل إلى أذهانهم.
وحدة قلوب السنة والشيعة
قضية السنة والشيعة هذه التي طرحت – والتي تحدث حضرته عنها ]ممثل الولي الفقيه وإمام جمعة جرجان[ وأنا أيضًا- قضية في غاية الأهمية، فليدرك الشباب من الشيعة والسنة مدى أهميتها. ذلك أنّ الأعداء حاليًا يستغلّون هذه الاختلافات والنزاعات التي قد تحدث من هذا الفريق أو ذلك الفريق -وبات يستغلّها أمثال داعش والتكفيريين ومن شابههم، وعلينا أن نمنع استغلالهم، ولا يتحقق ذلك إلا إذا علم الشباب الشيعة والشباب السنة بأنّ ما يعيشونه اليوم من انسجام وتضامن ووحدة قلب ولسان فيما بينهم، إنما هو إنجاز كبير جدًا، وهو أكبر سلاح لمواجهة أعداء إيران وأعداء الإسلام وأعداء القرآن؛ فليعلموا ذلك وليحافظوا عليه. الواجب علينا أن نصوّر هذه القضية وننقلها إلى أذهان مخاطبينا الشباب بشكل ملموس.
نسأل الله أن يوفقكم، وأن يرفع درجات السابقين منكم وعلماء جرجان الكبار -الذين كنّا نعرف بعضهم عن كثب ونزورهم-، وأن يزيد من توفيق الأصدقاء الحاضرين في هذا المجلس – السيد نورمفيدي وغيره من الإخوة الناشطين- يومًا بعد آخر، لتتقدموا في هذا الطريق بخطوات راسخة وثابتة إن شاء الله.
والسلام علىکم ورحمة الله وبرکاته