1- الزواج أحد القيم الإسلاميّة:
إنّ الرؤية الإسلاميّة النابعة من كتاب الله سبحانه وسنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم واضحة الدلالات؛ في حثِّها وترغيبها، بل في إعطائها للزواج مكانة قلّ نظيرها، حتّى قال النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ” ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزَّ وجلَّ من التزويج “1 .
وهذا ما يُشير إليه سماحة وليّ أمر المسلمين السيّد علي الخامنئي دام ظله: ” الموضوع الأساس والأوّل هو أنَّ الزواج الذي جعله الله تعالى سُنّةً، وتقتضيه الفطرة أيضاً، هو إحدى النعم والأسرار الإلهيّة، وإحدى الظواهر التي لا يُمكن اجتنابها في الحياة البشريّة. فقد كان بالإمكان أن يترك الله تعالى الناس وشأنهم ليذهبوا ويتزوّجوا، ولم يحكم بأنّ هذه المسألة واجبة أو جائزة، ولكنَّه تعالى اعتبر الزواج إحدى القيم، وأنَّ من لم يتزوَّج فقد أضاع تلك القيمة “2 .
2- منهج الإسلام هو الأفضل: ” يوجد في المسيحيّة واليهوديّة والأديان الأخرى أيضاً مثل هذه الضوابط للزواج، لكن بنحو آخر، وقد أمضى الإسلام ذلك واعتبرهما (أي الزوج والزوجة) زوجاً وزوجة واعتبر أبناءهما شرعيّين “3.
“ إنّ كيفيّة الزواج في الإسلام أفضل منها في بقيّة الأديان والشعوب، سواءٌ في مقدّماته أم أصله أم استمراره، فكلّها قد شُرِّعت حسب مصلحة الإنسان. الزيجات في الأديان الأخرى محترمة ومعتبرة عندنا، أي تلك العقود التي تتمّ في الكنائس ومعابد اليهود أو أيّ شعب من الشعوب كيفما تمّت فهي معتبرة عندنا، ولا نراها باطلة بالنسبة لهم. لكنّ الأسلوب الذي حدّده الإسلام هو أفضل، لأنّ الإسلام أكّد على أنَّ هناك حقوقاً للرجل وحقوقاً للمرأة، وآداباً للمعاشرة وأسلوباً خاصّاً للزواج، والأصل هو أن تدوم الأسرة وتسعد العائلة “4.
3- تكوين الأسرة فريضة إلهيّة: ” يُعتبر تكوين الأُسرة فريضة إلهيّة من وجهة نظر الإسلام، وهو عمل لا بُدّ أن يقوم به الرجل والمرأة بصفته واجباً وتكليفاً إلهيّاً، وهو إن لم يُذكر ضمن الواجبات الشرعيّة, إلّا أنّه قد حُضَّ عليه كثيراً، بحيث يُفهم أنّ الله تعالى يؤكّد على هذا الأمر لا بصفته تشريعاً، وإنّما بصفته حادثة خالدة ومؤثِّرة في الحياة والمجتمع، لذا ورد كلُّ هذا الحثّ على الارتباط بين الزوج والزوجة وذمّ الانفصال “5.
4- الله تعالى لا يُحبِّذ العزوبيّة: “إنّ الشابّ الّذي يستطيع أن يتزوَّج ولا يفعل ذلك، والبنت التي تروم الزواج وترفض الخاطبين، متذرّعَين بأنّ الوقت لم يحن بعدُ لا أظنّهما صادقين في عواطفهما وفي حديثهما ذاك، ولا بأس عليهما في أن يسألا غرائزهما الجنسيّة، ليأتي الجواب من تلك الغدد التي ترشّحت في الدم، وليس من اللّسان، وليحاولا أيضاً توجيه السؤال لنبيّهما الأكرم محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، ليُجيبهما بصراحة:
“النكاح سنتّي، فمن رغب عن سُنتّي فليس منّي”6.
ويقول دام ظله: “إنّ الله تعالى لا يُحبّذ الرجل الأعزب والمرأة العزباء، لا سيّما الشباب الذين لم يتزوّجوا لحدّ الآن، ولا يختصّ ذلك بالشباب. الله تعالى يُحبّ الحياة المشتركة7. ومن غير المحبّذ في نظر الإسلام أن يقضي الإنسان عمره وحيداً؛ إذ سيكون كالموجود الغريب في الهيكل الإنسانيّ، فقد أراد الإسلام أن تكون العائلة هي الخليّة الحقيقيّة لمجموعة الهيكل الاجتماعيّ لا الفرد بمفرده”8.
5- سُنَّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الزواج في الوقت المناسب:
ويقول سماحته دام ظله: “لدينا رواية معروفة، وهي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد قال: “النكاح سنّتي”. وطبعاً هي سُنَّة التكوين، وسُنَّة جميع البشر وكلّ الأقوام والأديان، فلماذا إذاً قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سُنّتي؟ وما سرُّ هذا الاختصاص؟ ربّما يكون السبب هو التأكيد الكثير في الإسلام، أمّا في الأديان الإلهية الأُخرى فلم يكن كذلك.
أنتم تُلاحظون أنّ تأكيد الإسلام على الزواج لا يوجد له مثيلٌ في المدارس الاجتماعيّة والفلسفات الشائعة والسياسات الرائجة في العالم. فالإسلام يُصرّ على أن يتزوّج الأولاد والبنات في الوقت الذي يكونون فيه مُستعدّين للزواج”.
“النكاح بالإضافة إلى كونه حاجة طبيعيّة فهو سُنّة دينيّة وإسلاميّة أيضاً، وعليه فمن السهل جدّاً كسب الثواب من هذا العمل الذي تقتضيه الطبيعة التكوينيّة والحاجة“9.
“الزواج هو سنّة تكوينيّة وإلهيّة، وعندما يُعبِّر النبيُّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّ الزواج سُنّتهُ فهذا يعني أنّ الإسلام أكّد كثيراً على هذه المسألة، أمّا لماذا؟ فهذا راجع إلى أهميّة الموضوع، وبسبب التأثير الكبير لتكوين الأُسرة في تربية الإنسان وتكامُله الخُلُقيّ، وفي بناء الإنسان السليم من الناحية العاطفيّة والروحيّة وغيرها “10.
6- الزواج المبكر: وإذا كان الزواج مطلوباً غريزيّاً وفطريّاً وإسلاميّاً، فينبغي للإنسان المسلم أو المسلمة المبادرة إلى الزواج في حال الشباب، ليدرأ عن نفسه ضغط الرغبة، وليسدَّ باباً كبيراً من أبواب الشيطان.
ويقول سماحته دام ظله: “كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يؤكّد على الشباب الزواج المبكر – سواء الشابّات أم الشباب – وطبعاً برغبتهم واختيارهم لا أن يُقرِّر لهم الآخرون. ونحن لا بُدَّ أن نعمل على ترويج ذلك في مجتمعنا. يجب أن يتزوّج الشباب في السنّ المناسبة قبل أن يخرجوا من فترة الشباب، وفي حال النشاط والرغبة، وهذا خلاف فهم الكثير من الأفراد الذين يظنّون أنّ الزواج في فترة الشباب زواج غير ناضج ولا ثابت، لكنَّ العكس هو الصحيح، وليس الأمر كما يدّعون، فإذا تمّ الزواج بصورة صحيحة فسيكون زواجاً ثابتاً وحسناً، وستكون العلاقة بين المرأة والرجل حميمة جدّاً في هكذا عائلة “11.
ويقول دام ظله: هناك إصرار في الإسلام على أن تتمّ عمليّة الزواج في أوانها، أي عند الإحساس بالحاجة إليها، وهذه من مختصّات الإسلام، فكلّما كان أسرع كان أفضل، ونعني بقولنا أسرع: الوقت الذي يشعر فيه الولد: الابن والبنت بالحاجة إلى الزواج، فكلّما تمّ ذلك بسرعة كان أفضل، والسببُ الكامن وراء ذلك هو:
أوّلاً: إنّ للزواج بركات وخيرات تحصل للمتزوِّج في أوانها أي قبل أن يمضي الزمان، وينقضي عمره.
ثانياً: إنّه يمنع ثورة الغريزة الجنسيّة؛ لذلك قيل من تزوّج أحرز نصف دينه. فيتّضح بحسب هذه الرواية أنّ نصف الأخطار التي يتعرّض لها دين الإنسان تأتي من ثورة الغريزة الجنسيّة، وهذا الرقم كبير جدّاً12 .
7- تسهيل الزواج: وإذا كان الاسلام مُحبِّذاً للزواج المبكّر، فعلى المجتمع الإسلاميّ السعي لتسهيل الزواج على الشباب والشابّات.
ويقول دام ظله: “إذا نظرتم إلى مراسم الزواج عند الشعوب المختلفة، فسترون أنّ مراسم الزواج في الإسلام سهلة ويسيرة. طبعاً لا بأس بالاحتفال والسرور وما شاكلهما، فكلٌّ وما يشتهي، لكنّ هذا ليس من الآداب والتشريفات الرسميّة والدينيّة للزواج.
فبإمكان أيِّ أحدٍ أن يقوم بذلك متى شاء أو لا يقوم به، أمّا أنّه يجب أن يذهبا إلى أحد المعابد وينحنيا أمام شخصٍ ما، ويفعلا ما يفعلان، أو المراسم الموجودة في الأماكن الأخرى، فإنّ هذا غير موجود في الإسلام. ما هو موجود في الإسلام هو صيغة شرعيّة يجب قراءتها”13 . 8- القيوُد الجاهليّة؟ أزال الشرع الإسلاميّ المقدّس القيود الجاهليّة والشروط المتعارفة بين الجهلاء في مسألة الزواج، وأرسى سلسلة من الأمور والشروط والسنن الجديدة. ونحن، إذا تصرّفنا بطريقة يكون فيها الزواج والعقد عندنا بعيداً ومنزّهاً عن تلك الأشياء التي أزالها الإسلام، ومزيّناً بالسنن التي أسّسها الإسلام فإنّ عقدنا وزواجنا سيكون إسلاميّاً، وسيكون وفقاً لما يرضاه نبيُّ الإسلام وقائد البشريّة العظيم صلى الله عليه وآله وسلم. أمّا إذا أدخلنا – لا سمح الله – تلك الأشياء التي أزالها الإسلام ورماها بعيداً ومنزّهاً عن تلك الأشياء التي أزالها الإسلام، ومزيّناً بالسنن التي أسّسها الإسلام فإنّ عقدنا وزواجنا سيكون إسلاميّاً، وسيكون وفقاً لما يرضاه نبيُّ الإسلام وقائد البشريّة العظيم صلى الله عليه وآله وسلم. أمّا إذا أدخلنا – لا سمح الله – تلك الأشياء التي أزالها الإسلام ورماها بعيداً في عقد الزواج، فعندها سيكون عقدنا عقداً جاهليّاً، فنحن مسلمون، لكنّ عملنا عمل الجاهليّة، أو إذا لم نراعِ الأمور التي أسّسها الإسلام في مسألة الزواج، فإنّ عقدنا أيضاً سوف لن يكون عقداً إسلاميّاً كاملاً.
وإذا كان العقد إسلاميّاً ومطابقاً للسنن القرآنيّة التي وضعها الإسلام، فإنّ الحياة ستكون جميلة، وسيعيش الزوج والزوجة حياة طيّبة 14.
9- هوِّنوا الأمور، يكفكم الله: “عندما يجري الحديث مع الشباب، يقولون: إنّنا إذا تزوّجنا ماذا سنفعل بعد ذلك؟ هذه هي القيود التي تُعرقِل دائماً الأعمال الأساسيّة والمهمّة. يقول تعالى: ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ﴾15 أي أنّ الله تعالى سيتولّى كفاية أمورهم إذاً تزوّجوا، فالزواج لا يُوجِد مصاعب خاصّة في وضعكم المعاشيّ، وإنّما العكس، فالله تعالى سيُغنيكم من فضله، الله تعالى يقول هذا. نعم، فنحن، وكما يُقال: نعمل بالتبذير بدل التدبير، ونخترع احتياجات وهميّة وأموراً زائدة، وطبعاً سوف تبرز هناك مشاكل، ومنْ المُقصِّر؟ المُقصِّر بالدرجة الأولى هم الأغنياء.
فهؤلاء المتمكِّنون ماديّاً يرفعون مستوى الطموحات والميول والاحتياجات الكاذبة إلى أعلى مستوى. وكذلك بعض المسؤولين مُقصِّرون أيضاً، حيث يجب عليهم أن يطرحوا الأمور وأن يوفِّروا الامكانيّات، لكنّهم لا يقومون بذلك. لا أُريد أن أقول: إنّ الحكومات لا دور لها تجاه الشباب وتجاه مسألة زواجهم، ولكن يجب أن تتّضح هذه القضيّة للمجتمع الإسلاميّ، وهي أنّ الزواج أمرٌ ضروريٌّ يجب أن يتمّ ويتحقّق.
إنّ ما تقوله الفتيات من أنّهنَّ غير مُهيَّئات للزواج لحدّ الآن، أو ما يقوله الشباب من أنّهم لا يملكون ما يكفي من النضج العقليّ إلى الآن، هو كلام غير منطقيّ إلى حدٍّ ما، حيث نُلاحظ وفي الكثير من أمور الحياة أنّ الأمر ليس كذلك، فالشباب ممتازون جدّاً ويملكون الاستعداد الكافي ويفهمون، غير أن الزواج هو تحمُّل للمسؤوليّة، ولذلك فإنّ إحساس الهروب من المسؤوليّة، يحول نسبيّاً دون القيام بهذا العمل16.
10- شكليّات تبلغ الإسراف: “الشكليّات أمر مُضرٌّ بالمجتمع، والذين يُعارضون الشكليّات ليس معنى هذا أنّهم يجهلون لذّاتها ومُتعها، كلاّ…! بل هم يعتبرونها عملاً مُضرّاً بالمجتمع مثل دواء أو شراب مُضرّ، فالمجتمع يلحقه الضرر بسبب هذه الشكليّات الزائدة، نعم، لا بأس إذا كانت ضمن حدود المعقول والمتعارف أمّا عندما تدخل في باب المنافسة هكذا، فإنّها تخرج عن حدّها وتذهب في اتجاهات أخرى”17.
“بعض الناس يُسرفون ويهدرون ويُبذّرون، وفي هذا الزمان الذي يوجد فيه فقراء في المجتمع، أولئك الذين لا تتوفّر لديهم أوّليات الحياة، فإنّ مثل هذه الأعمال تُعتبر تبذيراً وإسرافاً، وأعمالاً غير مسؤولة وكلّ من يقوم بذلك فهو مخطئ18.
البعض من الناس يكسبون الإثم من العمل الذي يُمكن أن ينالوا به الثواب، من خلال ما يقومون به من إسراف، والمحرَّمات التي يرتكبونها. وخلط هذا العمل الحسن بالأعمال المحرَّمة التي يرتكبونها، فالحرام ليس فقط مسألة الاختلاط بين الأجنبيّ والأجنبيّة وما إلى ذلك، طبعاً هذا محرَّم، لكنَّ الإسراف أيضاً حرام، التبذير حرام، إحراق قلوب الناس الفقراء في بعض الحالات هو حرام حقّاً، الإفراط، التحليل والتحريم، لكي يستطيع الأب أن يُهيِّئ أثاث العرس لإبنته، كلّ هذا حرام”19.
“أنا لست راضياً عن أولئك الذين يُصعِّبون الأمور على الآخرين بسبب النفقات الباهظة والإسراف في أمر الزواج. طبعاً نحن نقبل بالاحتفال والفرح، لكنّنا نُعارض الإسراف20. فكم من الشباب والشابّات الذين حتى لو تزوّجوا فإنّهم وبسبب لا مبالاة الأثرياء يشعرون بالنقص والألم وتتولّد لديهم عقدة، حيث يُحسّون أن شيئاً ما ينقصهم، ويوبّخون أنفسهم”21.
11- الفنادق والصالات المُكلِفة: “دعوا هذه الفنادق والصالات والحفلات المُكلِفة. طبعاً من الممكن أن يكون هناك من يُقيم احتفالاً عاديّاً في إحدى الصالات، لا بأس بذلك، أنا لا أُريد الجزم، لأنّ بعض الناس لا تتّسع بيوتهم أو ليس لهم تلك الإمكانيّة، ولكنْ تجنّبوا الإسراف، فالفرح والاحتفال ودعوة الأصدقاء والأقارب والأصحاب أمرٌ حسنٌ، لكنَّ الإسراف أمرٌ سيِّئ لا يليق بشعبنا المسلم”22.
“والعقد والزواج والفرح شيء جيّد، حتّى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد أقام حفل زواج لابنته المُكرّمة عليها السلام، وفرح وأنشد الناس الشِّعر وصفّقت النساء واحتفلن. ولكنْ لا ينبغي أنْ يكون هناك إسراف في مجالس العقد والزواج. وأحد مظاهر هذا الإسراف هو مراسم العقد والزواج الباهظة التكاليف، حيث يُقيمون المراسم في الفنادق والصالات الفارهة والمُكلفة، وتُهدَر أموالٌ كثيرة على الحلويات والفواكه والمأكولات التي تُتلف أو تُرمى على الأرض وتضيع، من أجل ماذا؟ من أجل المنافسة، ومن أجل أن لا يتخلّفوا عن قافلة الإسراف”23.
“لا ينبغي أن يكون هناك إسراف، وإذا حصل فقد ألحقتم الضرر بأنفسكم، بالشباب والشابّات، وأيضاً أسقطتم أنفسكم من عين نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، ومن عيني الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، فالإسراف والإفراط يُعدّ عملاً مُحرّماً”24.
“الزواج السعيد هو ليس الزواج الذي يكثر فيه الإنفاق ويكثر فيه الإسراف. الزواج السعيد هو الزواج الحميم، فإذا كان الزواج حميماً يُصبح سعيداً حتّى ولو كان بسيطاً. فعندما يجتمع الأصدقاء والأقارب في واحدة أو اثنتين من غُرَف البيت، فهذه هي مراسم الزواج، أما المراسم الكبيرة والصالات الكذائيّة أو الفنادق والتكاليف الباهظة والسلع الغالية الثمن لتلك المراسم فهذه كلُّها ليست مناسبة أصلاً، لا أقول: إنّها تبطل الزواج، كلاّ، الزواج صحيح، لكنَّها تُعكِّر أجواء المجتمع”25.
“لم تكن هذه الصالات وهذه الأمور موجودة في الماضي. لقد كانوا يحتفلون في غرفة أو اثنتين، ويأتي الضيوف ويتناولون الحلوى، فهل كانت تلك الزيجات أقل بركة من زيجات هذه الأيام؟
وهل كانت عِزّة البنات أقلّ منها اليوم، بحيث يجب أن يذهبن اليوم إلى تلك الصالات الكبيرة؟ لا بأس، أنا لا أرفض تلك الصالات، وإنَّما أرفض التشريفات الزائدة، فذهاب بعض الناس إلى الفنادق هو من الأعمال الخاطئة التي لا داعي لها”26.
“كلّما أقمنا المراسم ببساطة واختصار كان أفضل. دعوا ذوي الإمكانات المحدودة يتشجّعون للزواج، ولا تدعوهم يصابون باليأس”27.
12- اشتباه بعض المسؤولين: “من المعروف حالياً أنّ هناك احتفالات تُقام في الفنادق ويجري ما يجري في النوادي، وهذا لا يليق أصلاً بشأن أهل العلم ولا الناس المؤمنين والمتّقين. هذا شأن الماضين. وللأسف فإنّ بعض الناس اليوم تشتبه عليهم الأمور، فيتصوّرون أنّه وبما أنّ المسؤولين وحُكّام البلاد السابقين كانوا يتصرّفون بطريقة مُعيّنة، فإنّهم وبعدما صاروا حُكَّاماً يجب أن يتصرّفوا بنفس الطريقة!
كلّا، أولئك كانوا طاغوتيّين، هم كانوا أهل دنيا، أما نحن فرجال دين، ومن هم ليسوا رجال دين فهم من أهل الدين، حياتنا شيء آخر، سلوكنا شيء آخر، طبيعتنا شيء آخر، أخلاقنا شيء آخر، هدفنا يختلف عن هدفهم في الأساس، ولا ينبغي أن نُقلِّدهم، يجب أن نتصرّف بطريقة تناسبنا، بحيث يُقلِّدُنا الناس” 28.
13- الصالات ليست زيادة شرف: “بعض الناس يتصوّر أنّ الشكليّات والذهاب إلى الفنادق الكذائيّة والصالات المُكلِفَةِ والتكاليف الباهظة، هي ممّا يزيد من عِزّة وشرف ورفعة الابن أو البنت، كلاّ! فعِزّة وشرف ورفعة الإبن أو البنت هي في التقوى والعفّة والمعرفة، لا بتلك الأشياء”29 .
“إعلموا أنّ البساطة في الزواج سواءً أكانت في المهر أم أثاث العرس، أم في حفل الزواج، ليست عاراً، حيث يتصوّر بعض الناس أنّنا إذا أقمنا لابنتنا مراسم زواج بسيطة فإنّها سوف تُذلّ، كلاّ! لن تُذلّ. أنتم مخطئون”30 . 14- تسهيل أمر الزواج: “إنّني أوصي جميع الناس في أنحاء البلاد، بأنّ يُسهِّلوا موضوع الزواج.
تسهيل أمر الزواج “إنّني أوصي جميع الناس في أنحاء البلاد، بأنّ يُسهِّلوا موضوع الزواج. بعض الناس يُعقِّد موضوع الزواج، فالمهور المرتفعة والأثاث الباهظ تجعل الزواج أمراً مُشِكلاً. فلماذا تطلب عوائل الأبناء أثاثاً باهظاً؟ ولماذا تُضخِّمُ عوائل البنات أثاث العرس ومراسم العقد والزواج، ألأجل التنافس مع الآخرين؟ لماذا؟ هل يعلمون بما يترك ذلك من تأثير؟ تأثير هذه الأعمال هو أنّ الشباب والفتيان يبقون بلا زواج، ولا يتجرّأ أحدٌ على أنْ يُفكِّر بالزواج”.(خطبة العقد المؤرخة/1373/9/2 هـ.ش)
“هل إنّ الذين يتزوّجون زواجاً مليئاً بالمظاهر هم أسعد من الذين يتزوّجون ببساطة؟ من الذي يستطيع أن يعي ذلك؟ ليست هذه الأعمال سوى زرع الحسرة في قلوب مجموعة من الفتيات ومجموعة من الشباب وجعل حياتهم مُرّة، إذا لم يستطيعوا أنْ يتزوّجوا بنفس الطريقة التي يتزوّج بها غيرهم، فستبقى الحسرة في قلوبهم إلى الأبد، أو إنّهم لن يستطيعوا أنْ يتزوّجوا أبداً.. فما إنْ يأتي أحدٌ لخطبة ابنة أحدٍ ما فإنّ هذه البنت تبقى في البيت؛ لأنّه لا يملك شيئاً، الشابّ الجامعيّ أو العامل أو الكاسب الضعيف يبقون هكذا عازبين.(خطبة العقد المؤرخة/1373/9/23 هـ.ش)
“أظنُّ أنّ الذين يُصعِّبون الأمور على الآخرين عن طريق المجالس والمحافل الضخمة والمهور والأثاث الباهظ، يكون حسابهم عند الله عسيراً جدّاً، لا يُمكِنهم أنْ يقولوا: إنّنا لدينا أموال ونُريد أن نفعل ما نشاء لأنّ لدينا أموالاً، هذا الكلام من أخطاء الزمن، فكونُنا نملك أموالاً ليس مُبرّراً، فعندما يكون الإنسان متموِّلاً فهل يصحّ أن يتصرّف بطريقة بحيث لا يستطيع الآخرون فعل شيء، ولا يتجرّأ الشباب على أن يُقدموا على الزواج؟ لا ينبغي التصرُّف بطريقة بحيث إنّ الأشخاص الّذين ليست لديهم الإمكانيّات اللازمة، أو الأشخاص الذين لا يرغبون بذلك، أو غير مقتنعين به، أو من تكون نيّتهم مختلفة، لا يُمكنهم الزواج.(خطبة العقد المؤرخة/1373/5/24 هـ.ش)
15- إعانة المحتاجين: “لا تُسرفوا ولا تُبذِّروا.. لا تقوموا بهذه الأعمال فهذا ليس من المصلحة، والشارع المقدّس – أيضاً – لا يرضى بذلك، واعلم بأنَّك تشقُّ على نفسك بلا جدوى، فبدلاً من كلّ هذه المصروفات، أعط عُشْرَها إلى أحد المحتاجين واحصل على الثواب”31 .
“إذا أردتم إجراء العقد في الفندق الفلاني، والإسراف في المراسم، وتقديم الفاكهة الجديدة في الوقت و… فهل يكتسب حفلكم رونقاً وجمالاً؟ سوف لن يكون فيه أجرٌ إلهيّ قطعاً. اعلموا أنّ هذا ليس فيه أجرٌ من الله؛ فالإسراف إن لم يكن معصية – وهو معصية – فليس فيه أجرٌ قطعاً، وليس فيه ثواب قطعاً. إلّا أنّكم بهذا العمل تَحرمون مئات الشباب والشابّات من إقامة حفل – عرس – لأنّهم ينظرون إليكم ويريدون مجاراتكم فلا يستطيعون؛ ولذا يتأخر زواجهم”32 .
16- تأسُّوا بعترة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “أفضل نساء العالم السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وأفضل الرجال في العالم وأفضل الأزواج هو أمير المؤمنين عليه السلام، لاحظوهما كيف تزوّجا؟ آلاف من الشباب الوسيمين ومن ذوي الحسب والنسب والمقتدرين والمحبوبين، لا يُعادلون شعرة من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وآلاف من البنات الجميلات وذوات الحسب لا يُعادلن شعرة من فاطمة الزهراء عليها السلام، فقد كان هذان ذوي مقامين عند الله ومن عظماء زمانهما، فاطمة عليها السلام كانت بنت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رئيس الأمّة الإسلاميّة والحاكم المطلق، وكان عليّ عليه السلام المجاهد الأوّل في الإسلام.
لاحظوا كيف تزوّجا. كيف كان المهر قليلاً وجهاز العرس بسيطاً، وكلّ شيء باسم الله وبذكر الله. هؤلاء هم قُدوتُنا.
وفي ذلك الزمان كان هناك جُهَّال أيضاً يُغالون في مهر بناتهم فيجعلونه، ألف ناقة مثلاً.
فهل كانوا أفضل من بنت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم؟ فلا تقلِّدوا هؤلاء، واتّبعوا بنت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، اتّبعوا أمير المؤمنين عليه السلام”33.
17- لباس العرس: “يشتري بعض الناس لباساً غاليَ الثمن ليلة الزفاف. لا ضرورة لذلك. إذا احتاجوا إلى بدلة زفاف ليذهبوا ويستأجروها، ما المانع من ذلك؟ هل أنّه عيب؟ لا، ما هو العيب في ذلك؟ وما المانع منه؟ قد يرى بعض الناس أنّه عيب, العيب هو أن تذهب أموال الإنسان هدراً، بأن يشتري شيئاً يستعمله مرّة واحدة ثمّ يرميه. استعمال لمرّة واحدة مع هذا الوضع الذي يعيشه بعض الناس! بعضهم محتاجون حقّاً”34.
18- المهر رمز المحبّة: “النبيُّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حطّم سُنّة مهر الجاهليّة. الشخص الذي شرّع المهر وهو النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو أفضل الكائنات، وابنته المطهّرة والعزيزة هي أفضل نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وبعلها هو أمير المؤمنين وهو أفضل الخلق بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من الأوّلين والآخرين، هل لاحظتم كم حدّد النبيُّ مهراً لهذين الشخصين، واللّذين كانا شابيّن جميلين مُحترمَين لهما مكانتهما، وكانا شخصين من الطراز الأوّل في المدينة “35.
“النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم حطّم تلك الأشياء؛ لأنّها تمنع الأولاد والبنات من الزواج، حيث طلب ترك هذه الأشياء. الزواج بدايته سهلة، من الناحية الماديّة فهي الأسهل. المهمّ في الزواج مراعاة الجوانب البشريّة والإنسانيّة”36.
“لا تتصوّروا أنّ المهور الغالية والأثاث الضخم لم تكن مقدورة بالنسبة إليهم في ذلك الزمان. كلاّ، كان لديهم آنذاك من عديمي العقول مثل عديمي العقول في زماننا، والذين كانوا يجعلون مهر بناتهم مليون مثقال من الذهب مثلاً، تماماً كما هي الحماقات الموجودة لدى بعض الناس هذه الأيّام، فهذه الأعمال المُبالغ بها هي في الأصل من أعمال الجهلة، وقد جاء الإسلام وأزاحها بأجمعها. هل لم يكن يعرف أن يقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ مهر ابنتي يجب أن يكون ألفاً من حُمر النِّعم بالمواصفات الكذائية؟! كان بإمكانه ذلك، لكنَّ الإسلام جاء وألغى جميع تلك الأمور”37.
“المهر الغالي هو من زمن الجاهليّة، وقد نسخه النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
النبي ّصلى الله عليه وآله وسلم كان من عائلة من الأعيان، فعائلة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كانت تقريباً أكبر عائلة من الأعيان في قريش، وهو نفسه كان زعيم وقائد المجتمع، فما المشكلة في أن يكون مهر ابنته غالياً، وهي التي كانت على تلك الدرجة من الكمال, حيث هي أفضل نساء العالمين، والله سبحانه وتعالى جعلها (سيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين) والتي كانت تُريد الزواج من أفضل فتى في العالم وهو مولى المتّقين؟ لماذا قلّل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هذا المهر والذي اسمه “مهر السُّنَّة “38 39.
“أظنُّ أنّ مراعاة البساطة إلى هذه الدرجة في أثاث العرس للسيّدة الزهراء عليها السلام وفي مهرها، كما أنّ جميع أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كانوا مقيّدين بذلك المهرالقليل (مهر السُنَّة) في الوقت الذي كان فيه الجميع يعلمون أن ما زاد على مهر السُنّة هو جائز، ولكنّهم حافظوا على هذا المستوى، أظنَّ أنَّ ذلك كانت له جنبة رمزية أي: أن يكون أساساً للعمل به بين الناس، حتّى لا يتعرّضوا للمشاكل التي تحدث نتيجة للإسراف”40.
19- أربع عشرةَ سكّة ذهبية: “إنّنا قلنا لا نُجري العقد بأكثر من أربع عشرة سكّة ذهبية، ليس معنى هذا أنّ ما زاد على ذلك يُحدِث إشكالاً في الزواج، كلاّ! حتّى لو كانت هناك أربعة عشر ألف سكّة فإنّ الزواج لا إشكال فيه، فليس هناك فرق، وإنّما لأجل أن يتفوّق الجانب المعنويّ على الجانب المادّي في الزواج، فلا يكون كنوع من المتاجرة أو المعاملة أو التداول الماديّ. فإذا قلّلتم التشريفات فإنّ الجانب المعنويّ سوف يقوى”41.
“وكلّما كان المهر قليلاً فإنّه سيكون أقرب إلى طبيعة الزواج، فطبيعة الزواج ليست كالمعاملة وليست بيعاً أو شراءً أو إجارةً، إنّها حياة إنسانَين، وهذا غير مُرتبط بالأمور الماديّة، غير أنّ الشارع المقدّس قد قرّر أنْ يكون هناك شيء وهو المهر، ولكن لا ينبغي أن يكون باهظاً، بل يجب أنْ يكون عاديّاً بحيث يكون مقدوراً للجميع”42.
“الذي يحصل في الزواج هو حدث وارتباط إنسانيّ، وليس معاملة ماليّة أو ماديّة، مع أنّه يوجد هناك مال في الأثناء من قبل الشّرع المقدّس، وهذا المال له صفة رمزيّة وتعبيريّة، وهو ليس بيعاً أو شراءً أو متاجرة “43.
20- غلاء المهر إساءة: “إذا كان هناك من يهتمّ بابنته، أو كانت هناك فتاة تُقيم وزناً لنفسها، فليس الطريق المناسب لذلك أن تقول: إنّكم يجب أن تجعلوا مهري غالياً، فالمهر كلَّما كان قليلاً فإنَّ الجانب الإنسانيّ في هذا الارتباط سيكون أكثر”44.
“ليس هناك مال أو ثروة تُعادِل الإنسان، فليس هناك مهر يُمكن أن يُعادِل رأس إصبع من أصابع امرأة مسلمة، وليس هناك دخل ماديّ لرجل مسلم يُمكن أن يُعادِل شخصيّته، فالّذين يرفعون مهور بناتهم احتراماً لهنّ هم مخطئون، فهذا ليس احتراماً، إنّه إساءة، ذلك أنّكم عندما ترفعون قيمة المهر، فإنّكم تحطّون من قيمة هذه المعاملة الإنسانيّة أحد طرفي هذه المعاملة الإنسانيّة في مستوى واحد مع سلعة أو متاع من الأمتعة، حيث تقولون إنّ ابنتي تساوي كذا.
إنّ ابنتك لا تُقاس بالمال أبداً، فهذا المهر هو سنّة إسلاميّة وإلهيّة، ليس الغرض منه أن يُعطي الإنسان شيئاً مقابل هذا الكائن الشريف والعزيز والإنسانيّ”45.
21- غلاء المهر ليس ضمانة: “أحياناً يكون الرجل بوضع بحيث إنّ المرأة ومهما كان مهرها غالياً، تقول: أهبُ مهري لأنجو بنفسي، فالمهر لا يُسعدُ أحداً.. الطريق الشرعيّ هو الذي يُسعد البشر. والمحبّة أيضاً ليست مرتبطة بهذه الأشياء، فكلَّما كان المال في هكذا أمور قليلاً، وكلَّما أُبعِد العنصر الماديّ فإنّ العنصر الإنسانيّ سوف يتقوّى والمحبّة سوف تزداد”46.
“بعض الناس يتصوّر أنّ المهر الغالي يُساعد على حفظ رباط الزوجيّة، وهذا خطأ واشتباه، فإذا كان الزوجان – لا سمح الله – غير كفوءين فإنّ المهر الغالي سوف لن يصنع المعجزة”47.
“قد يقول أهل الفتاة: إنّنا لا نريد مهراً غالياً، ولكنّ عائلة العريس ولأجل التفاخر والتباهي يقولون: كلاّ! لا يمكن إلاّ أن يكون بالملايين. هذا كلّه ابتعاد عن الإسلام، فالمهر الغالي لا يجلب السعادة لأحد. هؤلاء يعتقدون أنّه إذا لم يكن هناك مهر غالٍ فسوف ينهار الزواج، إنّ هؤلاء على خطأ، فالزواج إذا كان على أساس المحبّة وبطريقة صحيحة فسوف لن ينهار أبداً. حتّى لو لم يكن هناك مهر أساساً، ولكن إذا كان على أساس الخبث والمكر والغشّ والخداع وأمثالها، فإنّه ومهما كان المهر غالياً، فإنّ الرجل السيّئ والمتعجرف، سوف يتصرّف بطريقة ما، بحيث يستطيع أن يتخلّص من عبء هذا المهر”48.
“يقول بعض الناس: إنّنا نجعل المهر غالياً لكي نمنع حصول الطلاق، وهذا خطأ كبير جدّاً، فليس هناك مهر مرتفع منع أو يمنع من حصول الطلاق، الشيء الذي يمنع حصول الطلاق هو الأخلاق والسلوك ورعاية الموازين الإسلاميّة”49.
22- غلاء المهر إضرار بالمجتمع: “إنّ الذين يُحدِّدون مهراً غالياً لنسائهم يُلحِقون الضرر بالمجتمع، فيبقى الكثير من الفتيات جليسات البيوت، ويبقى الكثير من الشباب عُزّاباً. وذلك لأنّ هذه الأشياء ستُصبح عُرفاً اجتماعيّاً وستصير سنّة وعادة، بدلاً من أن يكون مهر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هو (مهر السنّة). وعندما يُصبح مهر الجاهليّة هو السُّنَّة فإنّ الأوضاع ستكون أوضاعاً جاهلية”50.
“وإذا أصبح موضوع الماديّات هو الأساس في قضية الزواج فإنّ هذه المعاملة العاطفيّة والروحيّة والإنسانيّة سوف تتحوّل إلى معاملة مادّيّة، فالأثاث الباهظ والتباهي والتبجُّح بالأموال والثروات والذي يقوم به الأشخاص الغافلون والجهلة، هو في الواقع يُخرِّب الزواج، ولهذا فقد صار من المستحبّ في الشرع المقدّس أن يكون المهر قليلاً وأن يؤخذ (مهر السنّة) في الاعتبار”51.
“وإذا كانت المهور غاليةً فإنّ الزواج سيواجه المصاعب، وسيبقى الشباب والشابّات حيارى، ولذلك فكلَّما تساهلتم فهو أفضل”52.
“إنّني أطلب من الناس في جميع أنحاء البلاد أن لا يزيدوا المهور إلى هذا الحدّ، فهذه سُنَّة جاهليّة، وهذا عملٌ لا يرضاه الله تعالى والرسول صلى الله عليه وآله وسلم، خصوصاً في هذا الزمن، لا أقول: إنّه حرام وإنّ الزواج باطل، ولكنَّه مخالفٌ لسنّة النبيّ وأهل بيته أئمّة الهدى عليهم السلام وعظماء الإسلام، مخالف لسيرتهم، خاصّة في الوقت الحاضر؛ حيث البلد بحاجة إلى أنْ تكون الأعمال كلُّها صحيحة وسهلة، فليس هناك مصلحة في أن يُصعِّب بعض الناس أمر الزواج بهذا الشكل”53
23- جهاز العرس: عزّة المرأة في أخلاقها وليس في أثاثها: “جهاز العرس بالنسبة للفتاة ليس مدعاة للعزّة، فعزّة الفتاة في أخلاقها وسلوكها وشخصيّتها، بعض العوائل يُرهقون أنفسهم ويُؤذونها، وإذا لم يتوفّر لديهم المال يُهيّئون ذلك بعناء، وإذا توفّر لديهم يُنفقون بكثرة لأجل أن يُهيئوا بعناء أثاث عرسٍ ضخم ومزخرف”54.
“المهر المرتفع والأثاث الضخم لا يجلب السعادة لأيّة فتاة، ولا يُحقِّق الإستقرار والسكينة والثقة المطلوبة لأيٍّ من العوائل، فهذه الأشياء هي هوامش الحياة وفضلاتها، وليس فيها أيّة فائدة سوى المتاعب والمصاعب والمشاكل.
لا ينبغي أن تقترضوا الأموال، وتُهيّؤا أثاث العرس، وتوقعوا أنفسكم وعوائلكم في العناء، لا ينبغي أن تتصوّروا أنّه إذا كان أثاث ابنتكم دون أثاث بنت الجيران أو الأقرباء، فإنّ هذا يُعتبر هواناً، كلّا هذا ليس هواناً”55.
24- التباهي في أثاث العرس: “بعض العوائل ومن باب التباهي تجعل من أثاث العرس معضلةً بالنسبة لها، وبعد أن يتحمّلوا هذا المعضل بطريقة ما، فإنّ الدّور يصل من جديد إلى الآخرين، لكي يتحمّلوا عناء هذه المعضلة، وذلك لأنّكم عندما تُهيّئون لابنتكم كلّ هذه الوسائل كأثاث للعرس، فبعد ذلك كيف سيكون حال الآخرين الذين يرون هذه الأشياء؟
إلى أين سيصل هذا التباهي في النهاية؟ هذه هي المشاكل التي سوف تحصل، والإسلام يُريد لها أن لا تحصل”56. “بعض الناس وعند تهيئة أثاث العرس يسعى إلى التسابق مع جميع أقربائه وجيرانه وأصدقائه ومعارفه، وهذا أمر خاطئ أيضاً، يجب أن ينظر ما هو الشيء الصحيح، فيقوم به، ما هو الحقّ؟ هو أن تكون للعائلة المؤلَّفة من شخصين الوسائل اللازمة ليعيشوا حياة بسيطة”57.
“عندما يقومون بأنواع التبذير والإفراط والأعمال الخاطئة، ويشترون السلع الباهظة، ويشترون كلّ شيء ويضعونه ضمن أثاث العرس، لكي يكون هناك شيء واحد على الأقلّ تتفوّق به الفتاة على ابنة خالتها أو أختها أو جارتها أو زميلتها في الدراسة، فهذا من الأخطاء المؤلمة والمزعجة للإنسان نفسه وللناس الآخرين. فالكثير من الفتيات لا يُمكنهنّ الذهاب إلى بيت الزوجيّة، والكثير من الشباب لا يستطيعون الزواج بسبب تلك الأمور، وبسبب تلك المشاكل، فلو كان الزواج سهلاً ولم يتشدّد الناس إلى هذا الحدّ، ولو لم يكن أثاث عرس بعض الناس باهظاً إلى تلك الدّرجة، ولولا ذلك التجهيز الخاطئ للعروس، ولو لم يتهافت الآباء والأمهات لكي لا تنكسر قلوب بناتهم على حدّ زعمهم، لم تكن ليحصل لكثير من العوائل كلُّ هذه المشاكل”58 .
“بعضٌ يقوم ومنذ البداية بتهيئة كلّ ما هو ضروريّ وغير ضروريّ، وكلّ ما هو جزئيّ أو أساسيّ، كأثاث عرس لابنته لئلا تكون دون مستوى ابنة عمّها أو أختها، أو زميلتها على سبيل المثال. هذا ليس صحيحاً، هذه الأعمال خاطئة، وتجلب لكم العناء، ذلك العناء الذي لا أجر فيه عند الله ولا يستحقّ حتّى الشّكر”59 .
25- مراعاة الآخرين: “عندما أسأل بعض الناس قائلاً: عندما يُريد شخصان أن يبدءا حياتهما، فلماذا تُفرِّغون السوق لكي تُهيّئوا أثاث العرس لابنتكم؟ يقولون: حسناً، نحن نملك الأموال ولذلك نقوم بذلك! فهل هذا الاستدلال كاف؟ لأنّنا نملك الأموال؟ كلاّ، هذا الاستدلال غير كاف على الإطلاق وهو استدلال خاطئ، فالمجتمع يضمُّ أنواع البشر، فعليكم أن تتصرّفوا بحيث تستطيع الفتاة التي ليس لديها المال اللازم أن تتزوّج إذا أرادت ذلك، وإلّا فإنّ الجهاز الذي تقومون بتهيئته لابنتكم، والمهر الذي تُعطونه للعروس، سوف يسدّ أبواب الزواج بوجه الآخرين، وهذا ليس أسلوباً إنسانيّاً ولا إسلاميّاً”60.
26- جهاز أفضل زوجة في العالم: “أنظروا إلى ابنة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، خير نساء العالمين، فاطمة الزهراء عليها السلام والّتي كانت أفضل نساء الأوّلين والآخرين، حيث لم تأت بنت أو امرأة بهذا الكمال وبهذا الشّرف وبهذه العظمة، حيث إنّ كلّ نساء العالم من أوّله إلى آخره تبدو أمامها كالخدم أو كالذّرات في مقابل الشّمس الساطعة، كذلك زوجها أمير المؤمنين عليه السلام وهو أفضل رجال الكون، فلو جمعنا كلّ فضائله ومكارمه فإنّ كلَّ رجال الكون لا يساوون ظفراً من أظافره، تزوّج هذان المظهران من مظاهر العظمة والجمال والفضيلة، فكان أثاث زواجهما هو فقط تلك الأشياء المعدودة والرخيصة الثمن والمذكورة والمدوّنة في الكتب، وهي قطعة من الحصير، قطعة من ليف النخيل وفراش للنوم وكوز وإناء61 ، ولو جُمعت كلُّها وثُمِّنت بالنقد المستعمل حالياً فقد لا تزيد على بضعة آلاف من التومان (العملة الإيرانية)، فقد أخذوا هذا المهر من أمير المؤمنين عليه السلام واشتروا به أثاثاً بسيطاً وحملوه إلى بيت الزوج، نحن لا نقول: على بناتنا – في هذا العصر – أن يجلبن أثاثاً كأثاث فاطمة الزهراء عليها السلام، كلاّ، فليس بناتنا كفاطمة الزهراء عليها السلام ولسنا كأبيها صلى الله عليه وآله وسلم ولا أبناؤنا كأمير المؤمنين عليه السلام زوج فاطمة الزهراء عليها السلام. أين نحن من هؤلاء؟ الفرق بيننا وبينهم كفرق السماء والأرض، لكن يتّضح أنّ الطريق هو نفس الطريق، والتوجُّه هو نفس التوجُّه، فليكن أثاثكم بسيطاً ولا تنظروا الى هذا أو ذاك، لا تُكثروا من المصاريف ولا تُصعِّبوا الأمر على الّذين ليس لديهم إمكانات كافية”62 . “لقد كان جهاز فاطمة الزهراء عليها السلام بالحجم الذي ربّما كان باستطاعة شخص أو شخصين أن ينقلاه بأيديهما من بيت إلى آخر. انظروا بماذا كانوا يفتخرون وما هي قيمهم، ألم يكن النبيّصلى الله عليه وآله وسلم قادراً على أن يجلب أثاثاً ضخماً”؟
“لو كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم قد أشار مجرّد إشارة، فإنّ المسلمين المحيطين به، وقد كانوا أُناساً متمكّنين ومتموّلين، ويطلبون من الله أنْ يأتوا ويقدِّموا هديّة إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم أو يساعدوه، ولكنّهم لم يقوموا بذلك، لماذا لم يقوموا بذلك؟ الغرض من ذلك هو أنْ نتعلّم أنا وأنت، أمّا أنْ نجلس ونتحدّث ونستأنس من دون أنْ نتعلّم، ما هي الفائدة عندها لا نجني شيئاً، فلا ينبغي أنْ يضع الإنسان وصفة الطبيب على الرّفّ وينظر إليها، يجب أنْ نعمل بذلك حتّى نحصل على الفائدة المطلوبة، فيجب أنْ تعملوا بالنظام الغذائيّ حتّى تحصلوا على الفائدة المطلوبة، وتلك الأمور هي النظام الغذائيّ للروح، النظام الغذائيّ لصحّة المجتمع – صحّة العائلة، ويجب أن تُطبّق. أقيموا مراسمكم ببساطة63 .
27- التصدّي للعادات الجاهليّة: “لا تسمحن بأن يُضخِّموا أثاث العرس. على البنات أن لا يسمحن بذلك. أيّتها العرائس عليكنّ بالتصدّي لذلك، حتّى لو أراد الآباء والأُمّهات ذلك فلا تسمحن به، ماذا تُرِدنَ أن تصنعن بكل هذه السِّلع الباهظة الثمن؟”64 .
“يجب على أُمّهات العرائس التروّي في تهيئة أثاث العرس، فلا يُفرطن أو يُسرفن في ذلك، ولا يقلن: إنَّها ابنتنا، وسينكسر قلبها، كلاّ. البنات طيّبات، وهنّ لم يطلبن ذلك، فلا نسوقهنّ نحن بلا مبرّر إلى الاتجاه الذي يجعلهنّ يعتقدن بضرورة أن يُهيّأ لهنَّ كلّ شيء جميل وفاخر”65 .
“على الفتيات اللواتي يُردْنَ أنْ يُحضّرن أثاثاً للعرس أو شراء الوسائل الخاصّة بالعقد، عليهن أنْ لا تطأ أقدامهنّ تلك المحلاّت المرتفعة الأسعار في بعض الأماكن أو تلك المحلّات والتي لا أُريد ذكر أسمائها، لكنّي أعرف أين هي وهي معروفة بغلاء أسعارها. عليهنّ الذهاب إلى الأماكن غير المشهورة بغلاء أسعارها، فلا ينبغي أن يصطحبن العريس المسكين (إلى تلك الأماكن) لأجل شراء أثاث العرس والعقد، وللأسف، فإنَّهن يقمن بهذه الأعمال”66.
*نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية*
1- وسائل الشيعة، ج14، ص3. 2- خطبة العقد المؤرخة 6/10/1372 هـ.ش. 3- خطبة العقد المؤرخة 11/5/1375 هـ.ش. 4-خطبة العقد المؤرخة 19/1/1377 هـ.ش. 5- خطبة العقد المؤرخة 11/12/1377 هـ.ش. 6- بحار الأنوار، ج103، ص 220. 7- خطبة العقد المؤرخة 20/11/1375 هـ.ش. 8- خطبة العقد المؤرخة 5/10/1375 هـ.ش. 9- خطبة العقد المؤرخة 28/6/1379 هـ.ش. 10-خطبة العقد المؤرخة 9/11/1376 هـ.ش. 11-خطبة العقد المؤرخة 29/4/1379 هـ.ش. 12-خطبة العقد المؤرخة 23/12/1379 هـ.ش. 13-خطبة العقد المؤرخة 23/12/1379 هـ.ش. 14- خطبة العقد المؤرخة 22/1/1374 هـ.ش. 15- سورة النور، الآية 32. 16- خطبة العقد المؤرخة 28/6/1379 هـ.ش. 17- خطبة العقد المؤرخة 20/4/1370 هـ.ش. 18- خطبة العقد المؤرخة 11/6/1372 هـ.ش. 19-خطبة العقد المؤرخة 9/11/1376 هـ.ش. 20- خطبة العقد المؤرخة 24/5/1374 هـ.ش. 21- خطبة العقد المؤرخة 5/10/1375 هـ.ش. 22- خطبة العقد المؤرخة 27/10/1373 هـ.ش. 23- خطبة العقد المؤرخة 15/1/1372 هـ.ش. 24- خطبة العقد المؤرخة 1/11/1371 هـ.ش. 25- خطبة العقد المؤرخة 12/9/1377 هـ.ش. 26- خطبة العقد المؤرخة 30/7/1376 هـ.ش. 27- خطبة العقد المؤرخة 24/9/1371 هـ.ش. 28- خطبة العقد المؤرخة 11/5/1374 هـ.ش. 29- خطبة العقد المؤرخة 11/5/1375 هـ.ش. 30- خطبة العقد المؤرخة 18/9/137