العذاب الإلهي
أحد الاشكالات المطروحة تتعلق بنزول العذاب الإلهي على بعض البشر كقوم عاد وثمود وقوم لوط ونوح وغيرهم من الأقوام الذين عاشوا قريبا من عصر النبي الأكرم والذين ذكرهم القرآن الكريم كأصحاب الفيل اضافة الى ما يجري من حصول الكوارث الكونية من زلازل وأعاصير وبراكين وفياضانات أدت الى موت عشرات الآلاف من البشر والتي فسرها البعض ممن ينتسب الى الدين على أنها تعبير عن الغضب الإلهي على البشر بسبب المعاصي التي يرتكبونها! ومفاد الإشكال أن نزول العذاب لا يتناسب مع الرحمة الإلهية فالمفترض بالإله أن يكون رحيما فلا ينزل العذاب على عباده لمجرد معصيتهم له كما أن العذاب يشمل الأبرياء من تلك الأقوام من الشيوخ والعجائز والنساء والأطفال وغيرهم فكيف ينسجم نزول العذاب عليهم مع سعة رحمة الله وسعة علمه ألا يعتبر ذلك خلاف العدل الإلهي؟
قبل الاجابة على الاشكال الذي ذكر نلفت القارئ الكريم الى أن أحد اشكالات الملحدين التي يطروحنها دوما هو : أنه لماذا لا يتدخل الله تعالى في الأحداث التي تجري في العالم ويمنع الظلم والجور والفساد؟ وحين نجيبهم أن الله تعالى أهلك الظالمين والمفسدين والجائرين يعترضون على نزول العذاب الإلهي! فهم في تناقض مرير بين هذين الاشكالين وهذا يعني أنهم يطرحون بعض الشبهات لمجرد طرحها!
ولبيان الاجابة على الاشكال الأول نستعرض النقاط التالية:
إن نزول العذاب ليس أمرا عشوائيا بل هو أمر يخضع لنظام وقانون الهي بينه الله تعالى في القران الكريم بشكل واضح وهذا القانون والنظام يتضمن الشروط التالية:
أولاً: نزول العذاب بسبب الظلم: إن العذاب الإلهي لا ينزل على البشر لمجرد القيام بمعصية ولكنه ينزل عليهم بسبب نوع خاص من المعاصي وهذا النوع الخاص هو الظلم وبعبارة أخرى الاعتداء على المستضعفين من الناس كما كان يفعل فرعون ببني اسرائيل حيث كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم وقد أخبرنا الله تعالى عن سبب نزول العذاب بقوله تعالى: “وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا”.
ثانياً: عدم نزول العذاب قبل البينة: من الأمور التي نص عليها القرآن الكريم هي أن الله تعالى لا يعذب مستحقي العذاب وهم الظالمين قبل البينة والمقصود من البينة هو الدليل الواضح والجلي بشكل لا يقبل الشك والريب ومن ينكره إنما ينكره لتكبره وجحوده وليس لعدم وضوح الدليل وهذا الدليل البين يحمله الرسول المرسل من السماء ولا يمكن نزول العذاب قبل أن يرسل الله الرسول ” وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا” وهذا ما حدث مع فرعون إذ أرسل الله له موسى بعشرات البينات الواضحات ليردعه عن ظلمه لكنه أبى مما أدى الى نزول العذاب عليه وعلى جنوده.
ثالثاً: عدم نزول العذاب مع عدم الاصرار : من شروط نزول العذاب هو الاعراض التام من قبل الظالمين وعدم تراجعهم عن ظلمهم بخلاف ما لو تراجعوا عما يقومون به كما فعل قوم يونس حيث رفع عنهم العذاب بسبب استغفارهم وتوبتهم وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: “وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون”.
رابعاً: نجاة المؤمنين يخبرنا الله تعالى عن نجاة قسم من الناس قبل نزول العذاب بسبب براءتهم من الظلم وأهله ففي مثال فرعون فإن الذين هلكوا هم فرعون وجنوده وفي مثال أصحاب الفيل فالهالكون هم الجيش الذي هاجم مكة وفي قصة نوح يخبرنا الله تعالى عن نجاة المؤمنين من خلال ركوبهم في السفينة وكذلك في قصة لوط عليه السلام وكذلك في قصص بعض الأنبياء يتبين لنا من خلال قراءة الآيات الكريمة أن قوم بعض الأنبياء انقسموا الى فريقين كبيرين فريق يمارس الظلم أو يسكت على الظلم وفريق يرفض الظلم كما في حالة قوم النبي شعيب فالقاعدة أن الله تعالى يخرج المؤمنين الرافضين للظلم من القرية قبل نزول العذاب عليها حتى أنه ورد في قصة نوح أن العقم أصاب قومه أربعين عاما قبل هلاكهم كي لا يشمل العذاب الأطفال الذين سيولدوا خلال تلك الفترة.
من خلال هذه الشروط يتبين لنا أنه لا يحق لنا أن نفسر كل حادثة على أنها عذاب الهي إذ أن الحوادث الكونية الطبيعية من زلازل وبراكين وسيول وأعاصير لا علاقة لها بالعذاب والغضب الإلهي ما لم تتحقق تلك الشروط التي نص عليها القرآن الكريم فهذه الحوادث تصيب مختلف البلدان وتصيب المؤمن كما تصيب غيره.