واجب الجميع؛ شعوبا وحكومات دعم كل من يقاوم الكيان الصهيوني
المحاور الرئيسية
• الإنتفاضة ستفرض الهزيمة على الكيان الغاصب
• مشاريع “الإستسلام” لم تُعِد حقا للشعب الفلسطيني
• الشعب الفلسطيني يتمسك بمشروع المقاومة
• لعدم إنشغال المقاومة الفلسطينية بالخلافات الداخلية للبلدان
• واجب الجميع دعم المقاومة دون مقابل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلوات الله وتحياته على سيّد الأنام محمّد المصطفى، وآله الطيبين وصحبه المنتجبين.
قال الله الحكيم في كتابه المبين: «وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ»، وقال عزّ من قائل: «فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ»
في البداية، أرى لزاماً عليّ أن أرحّب بكم جميعاً أيها الضيوف الأعزّة: رؤساء المجالس المحترمين، وقادة الفصائل الفلسطينية المتنوّعة، وأصحاب الفكر والوعي والشخصيات البارزة في العالم الإسلامي، وسائر الشخصيات التحرّرية، وأن أحيّي حضوركم في هذا الملتقى القيّم.
محنة ومظلومية الشعب الفلسطيني لا نظير لها في التاريخ
إن قصّة فلسطين المليئة بالغصص والحزن الممضّ لمظلومية هذا الشعب الصابر المثابر المقاوم، لتؤلم بحقٍ، أيّ إنسان تائق إلى الحرية والحق والعدالة، وتملأ قلبه بالأسى الكبير.
إن تاريخ فلسطين زاخر بالمنعطفات والأحداث في ظل احتلالها الظالم وتشريد الملايين من أبنائها والمقاومة الباسلة التي سطرها هذا الشعب البطل. وإن بحثاً واعياً في التاريخ يبين أنه لم يواجه شعب من شعوب العالم في أيّ فترة من فترات التاريخ مثل هذه المحنة والمعاناة والممارسات الظالمة؛ بأن يتعرض بلد بأكمله للاحتلال بفعل مؤامرة تتجاوز حدود المنطقة، ويشرَّد شعب من دياره وأرضه، لتحِلّ محلّه جماعة أخرى تأتي من مناطق شتى من العالم، ما يُشكّل تجاهلاً لوجود حقيقي مع إحلال وجود زائف محله. بيد أن هذه تُمثّل صفحة ملوّثة من صفحات التاريخ التي ستطوى كغيرها من الصفحات الملوّثة بإذن الله تعالى وعونه، فقد قال تعالى: «إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» وقال: «أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ».
بلدان إسلامية عدة تعيش اليوم أزمات ونزاعات متعددة
يقام مؤتمركم هذا في ظرفٍ هو من أصعب الظروف العالمية والإقليمية. إن منطقتنا التي طالما كانت دعامة لشعب فلسطين في كفاحه ضد مؤامرة عالمية، تعيش هذه الأيام اضطرابات وأزمات متعددة. لقد أدت الأزمات التي تعيشها بلدان إسلامية عدة في المنطقة إلى تهميش موضوع دعم القضية الفلسطينية والهدف المقدس في تحرير القدس الشريف.
النزاعات القا هدفها توفير الفرصة لزيادة قوة الكيان الصهيوني
إن التفطن لنتيجة هذه الأزمات يجعلنا ندرك من هي القوى التي تربح منها. الذين أوجدوا الكيان الصهيوني في هذه المنطقة ليستطيعوا عن طريق فرض صراع طويل الأمد أن يحولوا دون استقرار المنطقة وتقدّمها، يقفون اليوم أيضاً وراء الفتن القائمة؛ الفتن التي أدت إلى استنزاف طاقات شعوب المنطقة في نزاعات عبثية كي يحبط بعضها مساعي بعضها الآخر، ما يوفر الفرصة لزيادة قوة الكيان الصهيوني الغاصب أكثر فأكثر بعدما أصيب الجميع بالفشل.
غفلة بعض الحكومات تحول دون حل هذه النزاعات
كما إننا نشهد مساعي الخيّرين والعقلاء والحكماء في الأمة الإسلامية الذين يسعون بإخلاص لحلّ هذه النزاعات. ولكن المؤسف أن مؤامرات الأعداء المعقدة نجحت، من خلال استغلال غفلة بعض الحكومات، في فرض حروب داخلية على الشعوب وتحريضها بعضها ضد بعضها الآخر ما يقلل من تأثير مساعي هؤلاء الخيّرين للأمة الإسلامية.
خطورة النزاعات البلدان الإسلامية: تهميش القضية الفلسطينية
الشيء الخطير في هذه الغمرة هو محاولات إضعاف مكانة القضية الفلسطينية والسعي لإخراجها من دائرة الأولوية. على الرغم مما يوجد بين البلدان الإسلامية من خلافات يكون بعضها طبيعياً، وبعضها نتيجة لمؤامرات الأعداء، وبعضها ناجماً عن الغفلة، إلا أن فلسطين ما زالت تُمثّل عنواناً من شأنه أن يكون ـ ويجب أن يكون ـ محوراً لوحدة كل البلدان الإسلامية.
مؤتمر دعم الإنتفاضة: توفير أجواء التعاطف والدعم لشعب فلسطين
إن من مكتسبات هذا الملتقى الكريم طرح ما يمثل الأولوية الأولى للعالم الإسلامي ولطلاب الحرية في العالم، ألا وهو موضوع فلسطين، وتوفير أجواء التعاطف لتحقيق الهدف السامي المتمثل في دعم شعب فلسطين وكفاحه المطالب بالحق والعدالة. يجب ألا تُهمَل أبداً أهمية الدعم السياسي لشعب فلسطين، وهذا ما يتمتع اليوم بأهمية خاصة في العالم. إن الشعوب المسلمة والمتحررة ـ على اختلاف مسالكهم واتجاهاتهم ـ يستطيعون أن يجتمعوا حول هدف واحد هو فلسطين وضرورة السعي لتحريرها.
الممارسات العدائية واللإنسانية مستمرة ضد الشعب الفلسطيني
بعد ظهور علامات أفول الكيان الصهيوني وضعف حلفائه الأصليين وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، يلاحظ أن الأجواء العالمية تتجه شيئاً فشيئاً نحو التصدي لممارسات الكيان الصهيوني العدائية واللاقانونية واللاإنسانية. ولا شك أن المجتمع العالمي وبلدان المنطقة لم تستطع لحد الآن أن تعمل بمسؤولياتها تجاه هذه القضية الإنسانية.
لا يزال القمع الوحشي للشعب الفلسطيني مستمراً، وكذلك الكثير من المظالم الأخرى التي ترتكب ضده: من قبيل الاعتقالات الواسعة النطاق وعمليات القتل والنهب، واغتصاب أراضيه وبناء المستوطنات فيها والسعي لتغيير ملامح وهوية مدينة القدس المقدسة والمسجد الأقصى وسائر الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فيها، وسلب الحقوق الأساس للمواطنين. وهي ممارسات تحظى بدعم شامل من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الحكومات الغربية، وللأسف لا تواجه ردود فعل عالمية مناسبة.
الإنتفاضة القادمة ستفرض الهزيمة على الكيان الغاصب
إن الشعب الفلسطيني يفتخر بأنْ منّ الله تعالى عليه وحمّله رسالة عظيمة تتمثل في الدفاع عن هذه الأرض المقدسة والمسجد الأقصى. ولا سبيل أمام هذا الشعب سوى الحفاظ على مشعل الكفاح وهّاجاً بالاتكال على الله تعالى والاعتماد على قدراته الذاتية، وهذا ما قام به لحد الآن والحقّ يقال.
الانتفاضة التي انطلقت اليوم في الأراضي المحتلة للمرة الثالثة لهي مظلومة أكثر من الانتفاضتين السابقتين، لكنها تسير متألقة ومفعمة بالأمل، وسترون بإذن الله أن هذه الانتفاضة ستُسجّل مرحلة مهمة جداً من تاريخ الكفاح وتفرض هزيمة أخرى على الكيان الغاصب. إن هذه الغدة السرطانية نمت منذ البداية على شكل مراحل إلى أن تحولت إلى البلاء الحالي، وينبغي أن يكون علاجها أيضاً على شكل مراحل حيث استطاعت انتفاضات عدة ومقاومات متتابعة ومستمرة تحقيق أهداف مرحلية مهمة جداً، وأن تسير إلى الأمام صادحة نحو تحقيق باقي أهدافها إلى حين تحرير كامل تراب فلسطين.
نموذجان في تجربة الشعب الفلسطيني في التعامل مع قضيته
“الواقعية” ومشاريع “الإستسلام” لم تُعِد حقا للشعب الفلسطيني
إن الشعب الفلسطيني الكبير الذي يتحمّل بمفرده الأعباء الثقيلة لمواجهة الصهيونية العالمية وحماتها العتاة، منح الفرصة ـ صابراً محتسباً، ولكن قوياً صامداً ـ لكل الأدعياء ليختبروا ادعاءاتهم ويجرّبوها. يوم طرحت مشاريع الاستسلام بشكل جادّ تحت طائلة الزعم الباطل الذي يدعو إلى الواقعية وضرورة قبول الحد الأدنى من الحقوق للحؤول دون تضييعها، منح الشعب الفلسطيني، وحتى كل التيارات التي كان قد ثبت لديها مسبقاً عدم صحّة هذه الرؤية، الفرصة لها. طبعاً أكدت الجمهورية الإسلامية في إيران منذ البداية على خطأ هذا النوع من الأساليب الاستسلامية ونبّهت إلى آثارها الضارّة وخسائرها الجسيمة. إن الفرصة التي منحت لمسيرة الاستسلام كانت لها آثار مخرّبة على مسار مقاومة الشعب الفلسطيني وكفاحه، بيد أن فائدتها الوحيدة هي إثبات عدم صحة فكرة «الواقعية» هذه على الصعيد العملي. بل إن طريقة ظهور الكيان الصهيوني كانت بالشكل الذي لا يمكنه معها أن يكفّ عن نزعته التوسعية وقمعه وسحقه لحقوق الفلسطينيين، لأن وجوده وهويته رهن بالقضاء التدريجي على هوية فلسطين ووجودها. ذلك أن الوجود غير الشرعي للكيان الصهيوني لا يمكنه الاستمرار إلّا على أنقاض هوية فلسطين ووجودها. ولهذا فإن الحفاظ على الهوية الفلسطينية وحماية كل ملامح وعلامات هذه الهوية الحقيقية الطبيعية كان أمراً واجباً وضرورياً وجهاداً مقدساً. وطالما بقي عالياً صامداً اسم فلسطين وذكر فلسطين والمشعل الوضاء لمقاومة هذا الشعب الشاملة، فلن يكون من الممكن لأركان الكيان المحتلّ أن تتعزّز.
مشكلة مشروع الاستسلام لا تقتصر على أنه بتنازله عن حق شعب، يمنح الشرعية للكيان الغاصب، وإنْ كان هذا بحدّ ذاته خطأ كبيراً لا يُغتفر. إنما المشكلة في أنه لا يتلاءم إطلاقاً مع الظروف الحالية لقضية فلسطين، ولا يأخذ بنظر الاعتبار النزعات التوسعية والقمعية والجشعة للصهاينة. على أن هذا الشعب اغتنم الفرصة واستطاع إثبات خطأ مزاعم دعاة الاستسلام، وبالتالي فقد حصل نوع من الإجماع الوطني بخصوص الأساليب الصحيحة للكفاح من أجل استعادة الحقوق المشروعة لشعب فلسطين
نموذج المقاومة بديلا لمشروع الإستسلام
والآن، فإن الشعب الفلسطيني قد جرّب طوال العقود الثلاثة الماضية نموذجين متباينين وأدرك مدى ملاءمة كلٍّ منهما لظروفه. فهناك مقابل مشروع الاستسلام نموذج المقاومة البطولية المستمرة للانتفاضة المقدسة الذي أتى بمكتسبات عظيمة لهذا الشعب.
وليس دون سبب أنْ تقوم جهات مفضوحة اليوم بمهاجمة المقاومة أو إثارة الشكوك حول الانتفاضة. إذ لا يتوقع من العدوّ غير هذا، لأنه يعلم علماً تامّاً بصحّة هذا الدرب وجدوائيته. ولكن نشاهد أحياناً بعض التيارات وحتى البلدان التي تدّعي في الظاهر مواكبة القضية الفلسطينية ولكنها تريد في الحقيقة حرف المسار الصحيح لهذا الشعب؛ نشاهدها هي الأخرى تهاجم المقاومة. ذريعة هؤلاء هي أن المقاومة لم تستطع بعد عقود من عمرها تحقيق تحرير فلسطين. وبناءً على ذلك فإن هذا الأسلوب بحاجة إلى إعادة نظر!
مكتسبات “المقاومة”
أ ــ المقاومة أبقت قضية فلسطين حية
وينبغي القول في معرض الرد: صحيح أن المقاومة لم تستطع بعدُ الوصول إلى هدفها الغائي أي تحرير كل فلسطين، بيد أن المقاومة استطاعت إبقاء قضية فلسطين حيّة. لنتصور أنه لو لم تكن هناك مقاومة فما كانت الظروف التي كنا نعيشها اليوم؟
ب ــ المقاومة عقبة كبرى أمام المشاريع الصهيونية
أهم مكتسبات المقاومة إيجاد عقبة أساس أمام المشاريع الصهيونية. لقد تمثل نجاح المقاومة في فرض حرب استنزافية على العدو، بمعنى أنها استطاعت إفشال الخطة الأصلية للكيان الصهيوني وهي السيطرة على كل المنطقة. وفي هذا السياق ينبغي بحقّ تكريم مبدأ المقاومة والأبطال الذين بادروا إلى المقاومة خلال فترات مختلفة ومنذ بداية تطبيق مسرحية تأسيس الكيان الصهيوني، ومن خلال تقديم أرواحهم حافظوا على راية المقاومة عالية خفاقة، ونقلوها من جيل إلى جيل. ولا يخفى على أحد دور المقاومة خلال الفترات التي أعقبت الاحتلال، ومن المتيقن منه أنه لا يمكن تجاهل دور المقاومة حتى في الانتصار الذي تحقق في حرب عام 1973 وإن كان انتصاراً بسيطاً.
ومنذ عام 1982 ألقيت أعباء المقاومة عملياً على عاتق الشعب في داخل فلسطين، إلّا أن المقاومة الإسلامية في لبنان ـ حزب الله ـ ظهرت هي الأخرى لتكون عوناً للفلسطينيين في دربهم الكفاحي. لو لم تكن المقاومة قد شلّت الكيان الصهيوني لشهدنا اليوم تطاوله مرة أخرى على أراضي المنطقة ابتداء من مصر إلى الأردن والعراق والخليج الفارسي وغير ذلك.
ج ــ تحرير جنوب لبنان وتحرير غزة إنجازان مهمان في سياق تحرير فلسطين
نعم، هذا مكسب مهم جداً، بيد أنه ليس المكسب الوحيد للمقاومة، فتحرير جنوب لبنان وتحرير غزة يعدّان هدفين مرحليين مهمّين في سياق تحرير فلسطين، استطاعا تغيير مسار التوسّع الجغرافي للكيان الصهيوني إلى العكس. منذ بدايات عقد الستينات -هجري شمسي- المصادف للثمانينات من القرن العشرين للميلاد فصاعداً لم يعد الكيان الصهيوني قادراً على التطاول على أراضٍ جديدة. وليس هذا وحسب بل بدأ تراجعه بالخروج الذليل من جنوب لبنان، واستمر بخروج ذليل آخر من غزة. ولا أحد يستطيع إنكار الدور الأساس والحاسم للمقاومة في الانتفاضة الأولى. وقد كان دور المقاومة في الانتفاضة الثانية أيضاً أساساً وبارزاً، تلك الانتفاضة التي اضطرت الكيان الصهيوني في نهاية المطاف إلى الخروج من غزة.
د ــ حروب الأيام الطويلة في لبنان وغزة صفحات مشرقة في ملف المقاومة
كما إن حرب الثلاثة وثلاثين يوماً في لبنان، وحرب الاثنين وعشرين يوماً، وحرب الثمانية أيام، وحرب الواحد وخمسين يوماً في غزة، كلها صفحات مشرقة في ملف المقاومة تبعث على فخر واعتزاز كل شعوب المنطقة والعالم الإسلامي وكل إنسان تائق إلى الحرية في أرجاء المعمورة.
في حرب الثلاثة وثلاثين يوماً تم عملياً إغلاق كل طرق إمداد الشعب اللبناني والمقاومة البطلة في حزب الله، ولكن بعون من الله وبالاعتماد على الطاقة الهائلة لشعب لبنان المقاوم تكبّد الكيان الصهيوني وحاميه الأساس أعني الولايات المتحدة الأمريكية، هزيمة فاضحة بحيث لن يتجرّأ بعدها بسهولة على الهجوم على تلك الديار.
والمقاومات المتتابعة في غزة التي تحولت الآن إلى حصن منيع للمقاومة، أثبتت عبر حروب عدة متلاحقة أن هذا الكيان أضعف من أن يستطيع الصمود أمام إرادة شعب. البطل الأصلي في حروب غزة هو الشعب الباسل المقاوم، الذي لا يزال يدافع عن هذا الحصن بالاعتماد على قوة الإيمان على الرغم من تحمّله الحصار الاقتصادي لسنين عدّة.
ومن الجدير أن يقدَّر عالياً كل فصائل المقاومة الفلسطينية مثل سرايا القدس من حركة الجهاد الإسلامي، وكتائب عز الدين القسام من حماس، وكتائب شهداء الأقصى من فتح، وكتائب أبي علي مصطفى من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي كان لها جميعاً دور قيّم في هذه الحروب.
واجب الجميع توفير جميع احتياجات شعب فلسطين والمقاومة الفلسطينية
أيها الضيوف الكرام: ينبغي عدم الغفلة أبداً عن الأخطار الناجمة عن وجود الكيان الصهيوني. ولذلك يجب أن تتوفر لدى المقاومة جميع الأدوات اللازمة لمواصلة مهامّها. وفي هذا المسار، من واجب كل الشعوب والحكومات في المنطقة وجميع طلاب الحرية في العالم تأمين الاحتياجات الأساس لهذا الشعب المقاوم. فالأرضية الأساس للمقاومة هي صمود وثبات الشعب الفلسطيني الذي ربّى بنفسه أبناءه الغيارى المقاومين. تأمين احتياجات شعب فلسطين والمقاومة الفلسطينية واجب مهم وحيوي ينبغي للجميع العمل به. وفي هذا السياق يجب عدم الغفلة عن الاحتياجات الأساس للمقاومة في الضفة الغربية التي تتحمل الآن العبء الأصلي للانتفاضة المظلومة.
لعدم إنشغال المقاومة الفلسطينية بالخلافات الداخلية للبلدان
وعلى المقاومة الفلسطينية أن تعتبر من ماضيها، وتتنبّه إلى نقطةٍ مهمة هي أن المقاومة وفلسطين أسمى وأهمّ من أن تنشغل هذه المقاومة بالخلافات التي تحدث بين البلدان الإسلامية والعربية، أو بالخلافات الداخلية للبلدان، أو الخلافات الاثنية والطائفية. على الفلسطينيين وخصوصاً الفصائل المقاومة أن تعرف قدر مكانتها القيّمة ولا تنشغل بهذه الخلافات.
واجب الجميع دعم المقاومة دون مقابل
من واجب البلدان الإسلامية والعربية وكل التيارات الإسلامية والوطنية أن تعمل لخدمة القضية الفلسطينية وأهدافها. فدعم المقاومة واجبنا جميعاً وليس من حق أحد أن يتوقع منهم توقعات خاصة مقابل المساعدات. نعم، الشرط الوحيد للمساعدة هو أن تصبّ هذه المساعدات باتجاه تعزيز قدرة الشعب الفلسطيني والمقاومة. وإن الالتزام بفكرة الصمود بوجه العدو والمقاومة بكل أبعادها، يضمن استمرار هذه المساعدات.
إن موقفنا تجاه المقاومة موقف مبدئي ولا علاقة له بجماعة معينة. أي جماعة تصمد في هذا الدرب فنحن نواكبها، وأي جماعة تخرج عن هذا المسار ستبتعد عنا. وإن عمق علاقتنا بفصائل المقاومة الإسلامية لا يرتبط إلّا بدرجة التزامهم بمبدأ المقاومة.
الحذر من تحول الإختلافات النظرية بين فصائل المقاومة إلى نزاع
النقطة الأخرى التي ينبغي الإشارة إليها، هي الاختلافات بين الفصائل والمجموعات الفلسطينية المتعددة. فاختلاف التصورات بسبب تنوع الأذواق بين المجاميع حالة طبيعية ويمكن تفهّمها. وإذا بقيت عند هذه الحدود فقد تؤدي حتى إلى التآزر والتكامل وإثراء كفاح الشعب الفلسطيني أكثر. بيد أن المشكلة تبدأ عندما تتحول هذه الاختلافات إلى نزاع وإلى اشتباك؛ لا سمح الله. وفي هذه الحال سوف تحبط التيارات المتنوعة قدرات بعضها البعض وتسير عملياً في طريق يريده عدوها المشترك. إن إدارة الخلافات والتباين في التصورات والأذواق فن ينبغي لكل التيارات الأصلية استخدامه؛ وأنْ تنظّم خططها الكفاحية المختلفة بحيث لا تضغط إلّا على العدوّ، وتؤدي إلى تقوية العمل الكفاحي.
إن الوحدة الوطنية على أساس الخطة الجهادية ضرورة وطنية لفلسطين، يُتوقع من كل التيارات المختلفة السعي لتحقيقها من أجل العمل وفق إرادة كل الشعب الفلسطيني.
الشعب الفلسطيني سيسقط المؤامرة القائمة اليوم لحرف مسار المقاومة
وتواجه المقاومة هذه الأيام مؤامرة أخرى تتمثل في مساعي المتلبّسين بثياب الأصدقاء الرامية إلى حرف مسار المقاومة وانتفاضة الشعب الفلسطيني، ليستفيدوا من ذلك في صفقاتهم السرية مع أعداء الشعب الفلسطيني. والمقاومة أذكى من أن تقع في هذا الفخ. خصوصاً، وأن الشعب الفلسطيني هو القائد الحقيقي للكفاح والمقاومة.
والتجارب الماضية تدلّ على أن هذا الشعب بوعيه الدقيق للظروف يحول دون مثل هذه الانحرافات. وإذا ما سقط – لا سمح الله – تيار من تيارات المقاومة في هذا الفخ فإن هذا الشعب قادر، كما كان في الماضي، على إعادة إنتاج ومستلزماته [حاجاته]. إذا ألقت جماعة راية المقاومة أرضاً فمن المتيقن منه أن جماعة أخرى ستظهر من صميم الشعب الفلسطيني لترفع هذه الراية عالياً.
ليكن مؤتمركم نموذجا لاحتواء الخلافات وتعزيز مكانة الأمة الإسلامية
لا ريب في أنكم أيها الحضور المحترمون سوف تتطرقون في هذا الملتقى لفلسطين فقط. فلسطين التي شهدت في الأعوام الأخيرة للأسف حالات تقصير في الاهتمام اللازم والضروري بها. ولا مراء في أن الأزمات القائمة في مواطن مختلفة من المنطقة وداخل الأمة الإسلامية جديرة بالاهتمام، بيد أن الباعث على عقد هذا الاجتماع هو قضية فلسطين. ويمكن لهذا الملتقى أن يكون بحد ذاته نموذجاً يقتدى به ليستطيع كل المسلمين وشعوب المنطقة تدريجياً – بالاعتماد على المشتركات فيما بينهم – احتواء الخلافات، وأن يعملوا ـ من خلال حلّ كلّ تلك الخلافات واحداً واحداً ـ على تعزيز الأمة المحمدية أكثر فأكثر.
وفي النهاية أرى من الضروري أن أتقدم مرة أخرى بالشكر لكم جميعاً أيها الضيوف الأجلاء على مشاركتكم القيّمة هذه. كما أشكر رئيس مجلس الشورى الإسلامي المحترم وزملاءه في الولاية العاشرة للمجلس على الجهود التي بذلوها من أجل إقامة هذا المؤتمر. وأسأل الله المنّان أن يوفقكم جميعًا لخدمة قضية فلسطين باعتبارها القضية الأهم في العالم الإسلامي ومحور وحدة كل المسلمين والأحرار في العالم.
سلام الله ورحمته على الأرواح الطاهرة لكل شهداء الإسلام، وخصوصاً الشهداء العظام الذين قدّمتهم المقاومة في مواجهتها للكيان الصهيوني، والتحية كذلك لكل الجنود الصادقين في جبهة المقاومة، ونبعث التحية أيضاً إلى الروح الطاهرة لمؤسّس الجمهورية الإسلامية الذي بذل أكبر الاهتمام بقضية فلسطين. نتمنى لكم التوفيق والانتصار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته