يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾1
وقف الإمام الحسين (عليه السلام) في وسط كربلاء منادياً جيش ابن سعد: “يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم”
إنّ هذا النداء يشير إلى واقع أزمة عميقة في ذلك المجتمع، فلم تكن المشكلة مشكلة منحصرة في فقدان التديّن، والالتزام الديني.
ولم تكن المشكلة منحصرة بالوعي والبصيرة.
ولم تكن المشكلة منحصرة في الخوف والجبن.
بل إنّ ما يشير إليه الإمام الحسين (عليه السلام) هو مشكلة في أصل الدين، بل مشكلة في أصل الإنسانية. وهذا ما دعا بقية الله في كربلاء وبعده الإمام زين العابدين (عليه السلام) أن يعمل جاهداً لأجل صياغة علاقة الإنسان مع ربِّه، وصياغة علاقة الإنسان مع الإنسان.
وقد نتج عن عمل الإمام (عليه السلام) في هذين الإطارين رسالة وصحيفة، فالرسالة هي رسالة الحقوق التي ذكر الإمام في مطلعها : “اعلم رحمك الله أن لله عليك حقوقاً محيطة بك، في كلِّ حركة تحركتها، أو سكنة سكنتها، أو منزلة نزلتها، أو جارحة قلبتها، وآلة تصرفت بها…”
أمّا الصحيفة فهي الصحيفة السجّادية، استحلت على أروع الأدعية الروحية والتربوية، وقد سميّت انجيل أهل البيت (عليه السلام) وزبور آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، وقد نقل هذه الصحيفة العلماء الأبرار بأسانيد معتبرة ذكر والد العلامة المجلسي (ره) أنّها تزيد على الآلاف.
ومن لطيف ما ذكره أنه رأى في منامه الإمام الحجّة صاحب الزمان (عج)، فسأله المجلسي أن يعطيه كتاباً، فأرشده إلى الصحيفة السجّادية.
وعن هذه الصحيفة الجليلة ذكر الإمام الخميني (ره) في وصيته: “نحن فخورون بأنّ الأدعية التي تهب الحياة، والتي تسمى بالقرآن الصاعد هي من أئمتنا، نحن فخورون أن من الصحيفة السجّادية زبور آل محمد (صلى الله عليه وآله)
من هذه الصحيفة سأعرض نموذجاً عن الأدعية التي طرح فيها الإمام زين العابدين (عليه السلام) العلاقة مع النواة الأولى للمجتمع وهي الأسرة، فقد تعرّض الإمام فيها إلى العلاقة مع الوالدين والزوجة والأولاد.
العلاقة مع الوالدين
“أللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطانِ العسوف، وأَبرُّهما برَّ الأم الرؤوف، واجعل طاعتي لوالدي وبري بهما أقرَّ لعيني من رَقْدَة الوَسْنان2″3، وأثلج لصدري من شَرْبة الظمآن، حتى أوثر على هَوَاي هواهما، وأقدِّم على رضاي رضاهما، وأستكثر بِرَّهما بي وإن قلَّ، واستقلَّ بِّري بهما وإن كثُر.
اللهمَّ خفِّض لهما صوتي، وأطِب لهما كلامي، وألِن لهما عريكتي [طبيعتي]، واعطِف عليهما قَلبي، وصيِّرني بهما رفيقاً، وعليهما شفيقاً… اللهمَّ لا تُنسني ذكرهما في أدبار صلواتي، وفي أنىًّ من آناء ليلي وفي كلِّ ساعة من ساعات نهاري.
وقد ورد في سيرة الإمام زين العابدين(عليه السلام) أنّه كان حذراً في أكله مع أمه، فسئل عن ذلك، فأجاب (عليه السلام): “أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه فأكون قد عققتها”4.
العلاقة مع الأولاد
قال (عليه السلام): “وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم… واجعلهم أبرارا أتقياء بصراء سامعين مطيعين لك، ولأوليائك محبين مناصحين ولجميع أعدائك معاندين ومبغضين”5 إنه دعاء يعرِّفنا على عناصر أربعة على الوالدين أن يسعيا لتحقيقها في الأبناء وهي:
1- التقوى.
2- الوعي.
3- التولي لأولياء الله.
4- التبري من أعداء الله.
ولأجل تحقيق هذه العناوين كان الإمام (عليه السلام) يجالس أولاده ناصحاً: “يا بني أنظر خمسة فلا تصاحبهم، ولا تحادثهم، ولا ترافقهم في طريق فقال ولده: من هم؟ فقال (عليه السلام):
1- إياك ومصاحبة الكذَّاب؛ فإنه بمنزلة السّراب يقرِّب لك البعيد، ويبعِّد لك القريب.
2- وإياك ومصاحبة الفاسق؛ فإنه بايعك بأكلةٍ أو أقل من ذلك.
3- وإياك ومصاحبة البخيل؛ فإنه يخذلك في ماله وأنت أحوج ما تكون له.
4- وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك.
5- وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه؛ فإني وجدته معلوناً في كتاب الله.
سماحة الشيخ أكرم بركات
1- سورة الأحزاب، الآية 33.
2- هو شديد النعاس الذي تتوق نفسه إلى النوم.
3- الصحيفة السجادية، ص 129.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج24، ص 264.
5- الصحيفة السجادية، ص 134.