البونساي فن ياباني يُعنى بإنبات أشجار مصغرة في أصص خزفية أو فخارية في منازلنا، وهو بمفهومه العلمي يشير إلى إحداث تناغم بين ماكان يعتقد قديماً أنها عناصر الكون الأربعة الماء والهواء والنار والتراب. وتتألف كلمة بونساي باللغة اليابانية من مقطعين: البون يعنى الوعاء، والسي يعنى التشكيل والتنسيق. هي أشجار قزمية مصغرة تزرع في الأوعية. وقد ظهر هذا الفن لأول مرة في الصين قبل آلاف السنين، ثم انتقل إلى اليابان وقد تخصص فيه رجال الدين البوذيون وطبقة الساموراي الراقية، ثم انتشر بعد ذلك بين جميع طبقات المجتمع ليصبح جزءا من الثقافة والبيئة اليابانية.
يظن الكثيرون أن شجرة البونساي إنما هي شجرة أو بذور تحمل جينات القصر والقزم، وهذا ما يجعلها تحمل شكل الأشجار العملاقة، إنما في صورة مصغرة قد لا تتجاوز المتر، ولكن هذا غير صحيح، فالمعروف أن كل كائن حي يصاب ببعض الإعاقة في النمو إذا منعت عنه بعض الفيتامينات والمعادن في فترة النمو، وهذا بالضبط ما يتم التعامل به مع هذه الأشجار، فإذا منحت لها كمية وافرة من الماء والهواء والضوء والمعادن، فهي بلا شك ستنمو بشكل طبيعي كأي شجرة من الفصيلة ذاتها. وهذا الفن يتطلب كثيراً من الصبر والرعاية، والمهارة في كيفية التعامل مع الأشجار. لنحتفظ بأشجار تدوم لسنين في أوعية خزفية جذابة نزين بها بيئتنا الداخلية.
تتخذ شجيرات البونساي عدة أشكال، فيكون قوامها منتصباً أحياناً، وأحياناً أخرى يكون متعرجاً أو متموجاً على شاكلة الأشجار الموجودة في الطبيعة، ويكمن السر وراء هذا التنوع في محاولة إظهار الشجرة بشكل طبيعي لتظهر وكأنها نمت في الطبيعة ، بكل تفاصيلها وخصائصها.
شروط ملائمة
يمكن أن ينتقي المرء الشجرة المناسبة لتكون ملائمة للبيئة المحلية، كالفيكس والسدر النيم أو البزروميا، والأشجار ذات طبيعة صمغية نظراً لكونها تتميز ببعض المواصفات فهي عادة ما تكون ذات فروع لينة، يمكن أن تثنى وتشكل بالطريقة المطلوبة، وهي عدا عن ذلك سريعة النمو، مما يسمح بإجراء تعديلات عليها، وقص أغصانها، وهي أيضا تتحمل الظروف البيئة الحارة والرطبة عدا عن كونها قليلة السقي. ولجعل البونساي تبدو صغيرة أو تتخذ شكلا معيناً، فإن السر في ذلك يكمن في النظام الصارم الذي يتبع مع تلك الأشجار لاكسابها الصفة القزمية، وهناك عدة طرق لتشكيل أشجار البونساي، منها ما هو مائل حيث تكون الجذوع مائلة بزاوية كبيرة، يراعى فيها أن تنمو على سطح التربة، عكس اتجاه زاوية الجذر، وذلك دعما للتوازن وتثبيتا للشجرة، وتستخدم الأسلاك المعدنية في لي الجذوع وتوجيهها، وذلك بلفها حول الجذع بحيث تجبر الشجرة على النمو بالشكل المراد، كما يمكن أن تشكل بهذه الصفة بوضع الحوض نفسه على سطح مائل.
توازن
هناك أيضاً الشكل اللا منتصب للبونساي فنجد أن الأشجار عادة ما تلتفت تجاه الضوء وبعيدا عن الظل والرياح والأشجار الأخرى، وفي هذا التصميم يجب أن يميل الجذع قليلا إما إلى اليسار أو اليمين، ولكنه لا يميل أبدا تجاه الشخص الناظر له، وهي قاعدة أساسية في جميع تصميمات البونساي، حيث لا يجب أن تميل الأغصان ولا الجذع باتجاه الناظر، وتناسب هذا التصميم أغلب أنواع الأشجار. أما الشكل الآخر فهو البونساي العمودي المنتصب عادة ما تكون جذع النبتة منتصبا من القاعدة إلى الرأس، كما يجب أن تكون هناك مسافة بين كل غصن وآخر، حتى تعطي منظرا متوازنا ومتساويا من كل الجهات، ويتطلب هذا التصميم الكثير من الجهد والرعاية، أما الفصائل النباتية المناسبة لهذا التصميم فهي اللاركس (من فصيلة الصنوبريات) والعرعر، والصنوبر. ونجد أشكالاً أخرى في تصميم البونساي وهو منظر الشلال فهذا الشكل عادة ما نجده ممتدا من رأس النبتة إلى ما بعد قاعدة الحوض، أما الجذع فيبدو طبيعياً وتبدو الأغصان كأنها منتشرة تبحث عن الضوء، أما رأس الجذع فتبدو مثل نهر متفرع يجري تحت جبل، ويناسب هذا التصميم أغلب النباتات غير المنتصبة. أما الشبة الشلال فيختلف مظهر النبتة هنا قليلا عنه في شكل الشلال فهو يشبه النباتات التي تنمو على القمم والمرتفعات، وتكون زاوية الجذع هنا غير محددة، حيث إن مظهر النبتة يكون أفقيا تماماً حتى لو نمت تحت مستوى حافة الحوض، وتناسب هذا التصميم جميع النباتات تقريبا عدا النباتات ذات الجذوع العمودية المنتصبة. وقد نشاهد عدة أحجام لأشجار البونساي منها ما هو صغير الحجم قد يصل طوله إلى 5 بوصات، ومنها ما يصل طولها من 5 إلى 15 سم، والمتوسطة يبدأ طولها من 15 إلى 30 سم، اما الحجم العادي من شجرة البونساي فطولها من 2 إلى 6 أقدام. ولابد أن يراعى في ذلك حجم الآنية التي ستحفظ فيها الشجرة، فلابد أن يكون هناك نسبة وتناسب.
طرائق مدروسة
- إن عمل شجيرة بونساي تتطلب المزيد من الصبر والعناية، فعند انتقاء الشجرة المناسبة ذات الجذع السميك وذي الإنحناءات والتعرجات ويراعى عند البحث في المشاتل.
- عدم شراء الأشجار الحديثة أو ذوات الجذع المستقيم أوالدقيق.
- إبدأ بزرع الشجيرة في أصيص صغير.
- إمنع عنها الفيتامينات والأسمدة التي تساعد على النمو، مع العمل على تقليم الجذور نظرا لمنع المجال لها للمزيد من التوسع.
- إثناء عملية النمو يتم تشذيب البراعم الصغيرة، وتبدأ بعملية ربط الأغصان بطريقة ملتوية بخيوط نحاسية بحيث تميل نحو الأرض.
- يجب أن لا يتعدى طول الشجرة عند بلوغها الـ60 سنتيمترا، وترش بماده من المواد المثبطة للنمو مثل الباكلوبوترازول أو حمض الأبسيسيك أو غيرها من مثبطات النمو الأخرى.
- عند بلوغها ستكون هيئتها عقدية، ويمكن الحصول على بونساي عن طريق أصناف متنوعة من الأشجار، إلا أن أكثرها ملائمة هي ذات الطبيعة الصمغية. بالإمكان زراعة البونساي من البذور أو الأجزاء التي تقطع من الشجرة الأم، كالأوراق ، الأغصان، الجذور والبراعم، ومن الشتلات الصغيرة أو حديثة النمو تنقل الى أحواض خاصة صغيرة.
- ان اختيار الأواني والأحواض المسطحة قليلة العمق يعتبر عاملاً هاماً من عوامل نجاح البونساي، بالإضافة إلى استخدام تربة فقيرة من حيث العناصر والفيتامينات.
العناية تتلخص في التغيير الدوري للحوض بين فترة وأخرى لتنشيط الشجرة ، ومراعاة قدرة الشجرة الطبيعية على النمو، واستغلال ذلك في أي محاولة لتشكيلها والعمل على ربط الأغصان والجذع بأسلاك حتى تتخذ الشكل المطلوب والمرغوب به كما يجب أن يحرك السلك من وقت لآخر حتى لايحدث ندبات على ساق الشجرة، مع التغيير الدوري للتربة مع إزالة البراعم والجذور القديمة، والعناية بالجذور الرفيعة لمساعدتها على النمو وامتصاص المياه.
إن توفير العناية المناسبة للبونساي يجعلها تعيش لمئات السنين فتورث من جيل الى جيل وهذا ما قد نجده في البيئة والثقافة اليابانية حيث نجد شجرة البونساي ذات قيمة معنوية وأرث تاريخي فهي ما زالت محفوظة لديهم حية ترزق بالرغم من رحيل الأشخاص الذين تعاقبوا عليها لرعايتها والاعتناء بها فهذه الشجرة إنما تذكر بالاجداد الذين تركوا بصماتهم على جذوع البونساي . ومع ظهور الخامات والاكسسوارات المصغرة للمنازل وأعواد الخشب او الأحجار، وتماثيل من الأحياء والاكسسوارات تم أرفاقها بالأصيص في منظر بديع يحاكي الطبيعة الخلابة ولكن في وعاء مصغر ثري في تفاصيلة.