روي أن خديجة (ع) تزوجت قبل أن تتشرف بالزواج من الرسول (ص)، وكان أول زواجها من عتيق بي عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، مات عنها، وفي رواية ولدت له بنتا يقال لها هند، ثم تزوجت أبا هالة بن زرارة التميمي، حليف بني عبد، وقيل هو (أبا هالة بن النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب)، ومات عنها أيضاً، وأنجبت منه هند بن أبي هالة، وهو ربيب النبي (ص)، فقد نشأ وتربى وترعرع في حجر النبي (ص).
وجاء في الطبقات لابن سعد قال: وكانت خديجة بنت خويلد قبل أن يتزوجها أحد قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي بن قصي فلم يقض بينهما نكاح فتزوجها أبو هالة واسمه هند بن النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن غوي بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم. وكان أبوها ذا شرف في قومه ونزل مكة وحالف بها بني هالة رجلاً يقال له هند وهالة رجل أيضاً. ثم خلف عليها بعد أبي هالة عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخروم فولدت له جارية يقال لها هند فتزوجها صيفي بن أمية بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهو ابن عمها، فولدت له محمدا. ويقال لبني محمد هذا بنو الطاهرة لمكان خديجة، وكان له بقية بالمدينة وعقب فانقرضوا، وكانت خديجة تدعى أم هند.[1]
ولكن ما تقدم من اعتبار أن خديجة (ع) قد تزوجت قبل رسول الله (ص) باطل ولا صحة له لما يلي:
حيث يوجد من القدماء من يقول بأنها (ع) لم تتزوج قبل رسول الله (ص)، ومما يؤكد ذلك، قال ابن شهر آشوب: روى أحمد البلاذري، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما، والمرتضى في الشافي، وأبو جعفر في التلخيص: أن النبي (ص) تزوج بها، وكانت عذراء.
ويؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع: أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة[2].
وإنما التي تزوجت عتيق ثم أبا هالة هي أختها، وبما أن اسم خديجة كان معروفاَ واسم اختها غير معروف، فنسب الزوجان وأولادهم إلى خديجة دون اختها، ومن القائلين بهذا القول علي بن أحمد الكوفي العلوي المتوفي سنة ٣٥٢ هـ.
ولابد لنا من أجل تأييد ما رواه أبو القاسم الكوفي من أن نشير إلى أن البحث العلمي الموضوعي لا يؤيد دعوى البعض: أن خديجة قد تزوجت برجلين قبل النبي (ص) والبعض بثلاثة.
ولعل هذه الدعوى قد صنعتها يد السياسة، أو أنها قد جاءت لتكريس فضيلة لعائشة أم المؤمنين، مفادها أن رسول الله (ص) لم يتزوج بكراً.
وما نستند إليه في شكنا بما يدعيه هؤلاء بالنسبة لزواج خديجة بأحد قبل النبي (ص)، بالإضافة إلى ما تقدم نقله عن كتاب الاستغاثة، هو ما يلي:
أولاً: اضطراب المعلومات التي يقدمها مدعو تزوجها (ع) برجلين قبل النبي (ص)، فقد جاءت هذه المعلومات متناقضة ومتضاربة إلى حد كبير.
ثانياً: قال أبو القاسم الكوفي: إن الاجماع من الخاص والعام، من أهل الآثار ونقلة الأخبار على أنه لم يبق من أشراف قريش، ومن ساداتهم، وذوي النجدة إلا خطب خديجة، ورام تزوجها، فامتنعت على جميعهم من ذلك. فلما تزوجها رسول الله (ص) غضب عليها نساء قريش، وهجرنها وقلن لها: خطبك أشراف قريش، وأمراؤهم فلم تتزوجي أحداً منهم؟ وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب…؟![3]
* حياة السيدة خديجة بنت خويلد (عليها السلام) – بتصرّف
[1] – الطبقات، لابن سعد، ج ٨، ص ١١- ١٢.
[2] – مناقب آل أبي طالب، ج ١، ص ١٥٩.
[3] – الاستغاثة، ج ١، ص ٧٠.