عن الإمام عليّ عليه السلام: “يا معشر الفتيان حصّنوا أعراضكم بالأدب ودينكم بالعلم”1.
يولي الدين الإسلامي أهميةً خاصّة بعنصر الشباب ويوكل إليهم أهمّ الأدوار والمهامّ التي تحتاجها الأمة في مختلف الميادين كالقيام بالأدوار العسكرية والأمنية والاجتماعية والعبادية، والإنسانية، والتطوعية،والسياسية، والجهادية، وطلب العلم، والمؤازرة،وغير ذلك مما يشكّل قاعدةً صلبة لبناء المجتمع الإسلامي المؤمن والواعي والمدرك لما يجري حوله والمتفاعل تفاعلاً إيجابياً مع محيطه ومؤثّراً في الواقع الذي يعيش فيه، وليس عنصراً هامشياً أو زائداً لا قيمة له في الوجود.
ويضع أمير المؤمنين عليه السلام عناوين كبيرة لاهتمامات الشابّ والأولويات التي يجب أن يحرص عليها فيقول: “أوّل الأشياء التي يجب أن يتعلّمها الأحداث، الأشياء التي إذا صاروا رجالاً احتاجوا إليها”2.
1- التفقّه في الدين: والمراد أن يكون الشابّ عالماً على الأقلّ بضرورات دينه الفقهية والعقائدية، ويعمل دائماً على تحديث معلوماته وثقافته حتى لا يكون موجوداً خارج زمانه، فعن الباقر عليه السلام: “لو أتيت بشابّ من شباب الشيعة لا يتفقّه في الدين لأوجعته”3، وفي خبر آخر “لأدبته”4، وفي خبرٍ ثالث لضربته بالسيف5.
وكلّ هذه الأحاديث تشير إلى مسألة مهمة وهي أنّ ترك التفقّه ليس اعتداءً على الذات وإنما اعتداء على المجتمع، وبالتالي فهي تكاد أن تكون جريمةً يُقام الحدّ على مرتكبها.
2- التعلّم: عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “من تعلم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر”6. وعن الإمام عليّ عليه السلام: “العلم في الصغر كالنقش في الحجر”7.
عن الإمام الصادق عليه السلام: “لست أحبّ أن أرى الشابّ منكم إلا غادياً في حالين، إمّا عالماً أو متعلّماً، فإن لم يفعل فرَّط وضيّع، فإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمّداً بالحقّ”8.
وهنا نشير إلى مسألتين أساسيتين من نتائج الاهتمام العلمي لدى المجتمع:
أ- السيادة رهن التعلّم: عن الإمام عليّ عليه السلام: “تعلّموا العلم صغاراً تسودوا به كباراً”9. والمعنى أنّ التعلّم في الصغر يجعلكم أسياد أنفسكم في الكبر ، فلا ترتهنوا لأحد كما هو حال الكثير من الدول اليوم المرتهنة لعلوم الغرب الذي يعطيها من سلعهومنتجاته بينما يبخل عليها بالحدّ الأدنى من العلوم والتطبيق والصناعة حتى تبقى هذه الدول مجرد دول أسواق استهلاكية وتبقى شعوبها تابعة خاضعة.
ب-التقدم رهن التعلّم: فالتعلم في الصغر تواكبه الحيوية والإبداع والإنتاجية والهمّة العالية وسواها من الخصال التي تُساعد على الاستفادة من هذا العلم وتسخيره لمصلحة البلاد والعباد.
بمعنى أنّ هناك صعوبة من إمكانية تقدّم المجتمعات حال اكتساب العلم في الكبر، فعن الإمام عليّ عليه السلام: “من لم يتعلّم في الصغر لم يتقدّم في الكبر”10.
3- قراءة القرآن: عن أبي عبد الله عليه السلام: “من قرأ القرآن وهو شابّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله عزّ وجلّ مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة”11.
ومعنى هذا الاختلاط ترسّخ المفاهيم القرآنية في النفوس لتكون حافزاً له على فعل الخيرات وحائلاً دون ارتكاب المفاسد والشرور.
4- الجد والاجتهاد: عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ لله ملكاً ينزل كلّ ليلة فينادي يا أبناء العشرين جدّوا واجتهدوا”12.
وهذا الحديث يوحي بأمور ثلاثة: أ- أهمية هذه المرحلة. ب- الرهان الإلهي عليها. ج- أنها مرحلة جدّ واجتهاد وليست مرحلة لعب ولهو.
5- الجدّ في طلب الآخرة: قال سلام بن مسكين، قال لنا الحسن عليه السلام: “يا معاشر الشباب عليكم بطلب الآخرة، فقد والله رأينا قوماً طلبوا الآخرة فأصابوا الدنيا والآخرة، والله ما رأينا من طلب الدنيا فأصاب الآخرة”13.
فالدنيا في هذا الحديث ينالها المرء في خطّ الآخرة، فهي ليست مطلوبة بذاتها، وليست هدفاً مستقلاً، وهي والحال هذه ليست مذمومة بل هي ممدوحة ومرغوبة فنِعْمَ الدنيا التي ينالها المرء حال طلبه للآخرة, وبئس الدنيا التي يطلبها بمعزلٍ عن الآخرة!
6- تزكية النفس: وهي من أرقى ما ينبغي أن يجعله الشاب أولى أولوياته لما لذلك من أثرٍ كبير في اتصافه بمكارم الأخلاق عند كبره، فاعتياد النفس الإنسانية على الفضائل والمكارم في الصغر يجعل هذه القيم والمبادئ منقوشةً في القلب لا يمكن ذهابهابسرعة، فعن الإمام عليّ عليه السلام: “من لم يجهد نفسه في صغره لم ينبل في كبره”14.
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “التوبة حسنة لكنّها في الشباب أحسن”15.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “ما من شيء أحبّ إلى الله تعالى من شابّ تائب، وما من شيء أبغض إلى الله تعالى من شيخ مقيم على معاصيه”16.
7- التعبد لله: عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “فضل الشابّ العابد الذي تعبّد في صباه على الشيخ الذي تعبّد بعد ما كبرت سنه كفضل المرسلين على سائر الناس”17.
ولعلّ المراد هنا أنّ الشاب إنما يقدّم صورة حسنة عن الإيمان بالله تشكّل نقطة جذب للكثيرين من الناس تماماً كالصورة التي يقدمها النبيّ ويستقطب الناس من خلالها.
فالشابّ العابد له مقام القدوة والأسوة بين الناس تماماً كمقام المرسلين، فالشابُّ العابد حجّة على الآخرين كونه ترك كلّ مشتهيات الحياة وهو في ذروة شهواته ليتصدّى لقضايا الأمّة الكبرى، وقريباً من هذا المعنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “خير شبابكم من تشبّه بكهولكم، وشرّ كهولكم من تشبّه بشبابكم”18.
* كتاب وتزودوا في شهر الله، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- المجلسي ، بحار الأنوار ، ج77 ، ص200. 2- الري شهري ، ميزان الحكمة ، ج5 ، ص352. 3- القمي، سفينة البحار، ج1، ص680.. 4- ميزان الحكمة، ج2، ص 1401. 5- المصدر نفسه. 6- الري شهري: ميزان الحكمة/ ج5، ص8. 7- الكليني: أصول الكافي/ ج2،ص603. 8- فلسفي: جوان/ ص194. 9- مرتضى فريد: روايات من أهل البيت عليهم السلام/ ج1- ص349. 10- محمد الصدر: الغيبة الكبرى/ ص11. 11- الري شهري: ميزان الحكمة/ ج5،ص7. 12- الآمدي/ غرر الحكم ودرر الكلم/ ص238. 13- الري شهري: ميزان الحكمة/ ج75،ص284. 14- المجلسي ، بحار الأنوار ، ج1 ، ص170. 15- الري شهري ، ميزان الحكمة ، ج5 ، ص 352 . 16- ميزان الحكمة، ج2، ص 1401. 17- المصدر نفسه. 18- ميزان الحكمة، ج2، ص 1400.