نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله) مقام شامخ من الكمالات الإنسانية المديح الوارد في كتاب الله عز وجل لهذا النبي العظيم وما ورد أيضاً على لسان الأنبياء السابقين وكل أولئك الذين عاصروا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سواءَ آمنوا به كصحابته وأهل بيته، أو كانوا أعداء له وخصوماً له؛ كانوا يعترفون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالكمالات العقلية والمعنوية والروحية والنفسية ـ وعلى كل صعيد ـ ما بلغ فيه وبه القمة.
عندما يوصف هذا النبي العظيم من قبل الله سبحانه وتعالى بأنه على خلق عظيم، عندما يتحدث الله تعالى عن رحمته، عن لينه، عن أخلاقه، عن تواضعه، عن عاطفته، عن إنسانيته، وعن كل كمالاته: الصدق، أداء الأمانة، الوفاء بالعهود والمواثيق والمعاهدات، نجد أن هذه أمور يعترف به الجميع. ولذلك نجد أن أخصامه وأعداءه لم يجدوا فيه منقصة واحدة في شخصيته، ولا ثغرة واحدة ولا عيباً واحداً، ليتسللوا من خلاله إلى شخصه.
وحتى اليوم، يُشهد لهذه الشخصية العظيمة ـ دعوا موضوع الإساءات جانباً، ـ من مفكرين مسلمين ومسيحيين وفلاسفة وكبار ونخب على مستوى العالم الذين يقاربون شخصيات تاريخية بإنصاف وبعدل وبشكل علمي وموضوعي. لا أعتقد أنه يوجد شخصية غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) توفر لها هذا المستوى من الإجماع ومن المديح ومن التقييم والتبجيل والتعظيم.
أقام حضارة كرّمت الإنسان وأحيت فيه نوازعه الإنسانية من أهم الجوانب التي يجب التذكير بها في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه أعاد البشرية منذ ذلك الزمن إلى الأساس الإنساني الأول. بل أكثر من ذلك، أعلى من شأن هذا الجانب الانساني. يعني في مجتمع شبه الجزيرة العربية، بل في كل العالم في ذلك الحين، سواء العالم الذي كانت تسيطر عليه الإمبراطورية الرومانية أو الإمبراطورية الفارسية، كانت المجتمعات محكومة بالتمييز: التمييز على أساس الجنس بين الذكر والأنثى ـ وحالة المرأة لم تكن فقط في شبه الجزيرة العربية هكذا، بل في كل العالم ـ على أساس اللون ـ أبيض وأسود وأصفر وأحمرـ وعلى أساس العِرق: عرب وعجم وغيره، وعلى أساس القبيلة: قريش وغير قريش، وعلى أساس النسب: بنو فلان وبنو فلان وبنو فلان.
جاء هذا الرسول الإنساني العظيم ليقول لكل الناس: كلكم لآدم وآدم من تراب. جاء ليقول لهم: “الناس سواسية كأسنان المشط”. جاء لينقل اليهم كلام الله (عز وجل): “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ـ يخاطب المجتمع الذي كان يحط من قدر المرأة ويدفنها وهي طفلة ـ “إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
إذاً، الذكر والأنثى لهما قيمة إنسانية واحدة، العرب والعجم قيمة إنسانية واحدة، الأبيض والأسود والأصفر والأحمر قيمة انسانية واحدة، السيد والعبد ـ لأنه في ذلك المجتمع كان رق وعبيد ـ قيمة انسانية واحدة.
نعم، قال لهم أنتم من الناحية الإنسانية لكم قيمة واحدة ولكنكم تتمايزون. تتمايزون ولكن ليس بالجنس ولا باللون ولا بالقبيلة ولا بالنسب ولا بالعرق، وإنما تتمايزون بالعمل الصالح، بفعل الخير، بالفضائل، باجتناب الرذائل، باجتناب الآثام، والقبائح والمعاص: “خيركم خيركم لأهله” “أحب خلق الله إلى الله أنفعهم لعياله”.لقد وضع هذا المقياس.
بل أكثر من ذلك، رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمل على أن ينقل الإنسان الأناني، الذي كان يفكر في حدود مصالحه الشخصية أو في حدود مصالح عشيرته أو قبيلته، ليصبح إنساناً إنسانياً وإنساناً عالمياً: يحمل هموم الناس، يتألم لآلام الناس، يفرح لأفراح الناس، يفكر بإنقاذ الناس، يمد يد العون إلى الناس، وهذا تأكيد إنساني كبير وعظيم جداً.
* كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في احتفال المولد النبوي الشريف 25-1-2013 ـ القسم الثقافي
شبكة المعارف الإلكترونية