هل وصف القرآن الكريم للسماء بأنها سقف يتناقض مع ما وصل اليه العلم؟
يطرح الملحدون العديد من الاشكالات حول بعض الآيات القرآنية محاولين اثبات وجود تناقض بين القرآن الكريم والعلوم التجريبية تارة في اعتبار وصف القرآن لخلق الإنسان مخالفا لما جاء به العلم وتارة في محاولة اثبات التغاير في النظرة الى خلق الجبال وتارة في اعتبار أن نظرة القرآن الى السماء مختلفة عن نظرة العلم اليها وقد بينٌا بعض تلك الاشكالات المتعلقة بخلق الانسان وأوضحنا الاجابة عليها وأثبتنا عدم وجود أي تناقض بين القرآن الكريم وبين نتائج العلوم وسوف نجيب في هذه المقالة عن الشبهات المطروحة بالنسبة الى خلق السماء!
ويهمنا أن نوضح قبل الشروع في البحث أن اصحاب الشبهات يفرضون تصورا ساذجا على القرآن الكريم ثم يقومون بنقضه والاستدلال من خلاله على أن القرآن الكريم ليس كتابا سماويا أو يبحثون عن رأي أحد المفسرين – ويتركون عموم المفسرين للقرآن – يتوافق مع أفكارهم البسيطة ثم يقومون بنقض ذلك التفسير ومحاربته! وفي بعض الحالات يقومون بطرح آراء لا علاقة لها بالقرآن الكريم لا من قريب ولا من بعيد ناتجة عن فهم القرآن الكريم بلغة السوق (العامية) ثم يقومون بمهاجمة تلك الآراء ولولا خوف الاطالة لاستعرضنا العديد من تلك النماذج.
وحديثنا في هذه المقالة حول خلق السماء
حيث اعتبر الملحدون: أن توصيف القرآن للسماء بأنها سقف تصور ساذج وبسيط ينسجم مع ما كان شائعا في ذلك الوقت من نظرة الانسان الى السماء أنها عبارة عن سقف ومما يؤكد نظرة القرآن تلك الآية التي تتحدث عن أن الله يمسك السماء أن تقع على الأرض وكذلك حديثه عن أن للسماء أعمدة! فهل أن السماء سقف وهل يمكن أن يقع ذلك السقف وهل هناك أعمدة تحمل السماء وهل تشبه الأرض أرض البيت والسماء تشبه سقفه؟
والجواب عن هذه الاشكالات:
أن أي قارئ للغة العرب وعارف بلسانهم يعلم أن اللغة تحتوي على المشتركات اللفظية والمشتركات المعنوية والمقصود من المشترك اللفظي اللفظ الذي له عدة معان والمشترك المعنوي المعنى الذي تشترك عدة ألفاظ بالدلالة عليه مثل النور الذي تدل عليه الشمعة والنار والمصباح الزيتي والمصباح الكهربائي والقمر والشمس فهذه ألفاظ متعددة كلها تدل على حقيقة ومعنى واحد هو النور والمقصود من النور ما كان ظاهرا في نفسه ومظهرا لغيره حتى أن القرآن الكريم وصف رسوله بالنور ووصف نفسه بالنور وحتى أنه وصف الله تعالى بأنه نور “الله نور السموات والأرض…” فهل يعني ذلك أن القرآن يشبه الله تعالى بتلك الأدوات ؟! بالطبع لا فالقرآن الكريم يشير إلى المعنى والحقيقة كما أوضحنا!
كذلك الأمر بالنسبة للسقف الذي يدل عليه سقف الخيمة و البيت والسيارة فهو يصدق على كل ما هو فوقك ويؤمن لك الغطاء والحماية لكنه لا يقتصر على ما يقوم على أعمدة بل يمكن أن يتوسع المعنى الى الشيء الذي يكون فوقك ويمثل لك الحماية والغطاء حتى أنه يطلق في اللغة المستخدمة بين الناس على الشخص الذي يحمي شخص آخر ويحفظه ويمنعه ويعصمه من الأخطار!
من هنا يمكن أن نفهم المقصود من أن الله تعالى جعل السماء سقفا دون أن يكون هناك أي تناقض مع ما أنتجه العلم ومن المفيد أن ننقل هنا كلام صاحب تفسير الأمثل في تفسيره لآية والسماء بناء:
لقد خلق الله للإنسان الأرض كي تكون مقرّاً هادئاً ومستقراً آمناً له إنّه المكان الخالي من المعوقات الصعبة، متناسق في تشكيلته مع تكوين الإنسان الروحي والجسدي، حيث تتوفر في الارض المصادر المختلفة للحياة والوسائل المتنوعة والمجانية التي يحتاجها لمعيشته.
ثم تضيف الآية (والسماء بناءاً) أي كالسقف والقبة فوقكم. و «بناء» كما يقول «ابن منظور»في لسان العرب، تعني البيوت التي كان عرب البادية يستفيدون منها ويستظلون تحتها كالخيم وما يستظل الإنسان تحته.
إنّه تعبير جميل ودال حيث يصوّر السماء كالخيمة التي تغطي أطراف الأرض ولا تنقص منها شيئاً. والمقصود بالسماء هنا الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض.
إنّ الخيمة الإلهية الكبيرة هذه تقلل من شدّة أشعة الشمس، وعدمها يعرض الأرض إلى الأشعة الكونية الحارقة القاتلة لجميع الكائنات الحية الموجودة على الأرض، لذلك نرى أنّ رواد الفضاء مضطرين لارتداء ملابس خاصة تحميهم من هذه الإشاعات.
إضافة إلى ما تقدم، تمنع الخيمة السماوية سقوط الأحجار التي تنجذب من السماء نحو الأرض، حيث تقوم بإحراقهابمجرّد وصولها إلى غلاف الأرض ليصل رمادها بهدوء الى الأرض.
وإلى هذا المعنى تشير الآية (32) من سورة الأنبياء، حيث يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا﴾
وسوف نتعرض في المقالة التالية حول الآية التي تتحدث عن رفع السماء بغير عمد والاشكالات المطروحة حولها.