الأخطاء في صناعة الكون! كيف نجيب عنها؟
يواجه الإنسان مجموعة من المشاكل والمشقات والمخاطر والتي قد يهدد بعضها الحياة البشرية واستمرارها على الكرة الأرضية فمن جهة تفتك الأمراض به ومن جهة أخرى يواجه العوامل الطبيعية من زلازل وبراكين وأعاصير ويغزوه الضعف والشيب وما يرافقهما من آلام ومصاعب فكيف تنسجم هذه الأمور مع القول بأن الله قد أحسن كل شيء خلقه ومع أن الإنسان خلق في أحسن تقويم؟ فما هو المقصود بأحسن تقويم؟ وكيف يجتمع الحسن مع الضعف والألم والشقاء الذي تنفر منه الطباع الإنسانية؟ أليس الله قادراً على أن يخلق العالم دون آلام ودون تلك المشاكل؟ ولماذا لم يخلق العالم دون تلك المنغصات؟
يمكن تقسيم الأسئلة المطروحة إلى قسمين فبعض تلك الأسئلة يتعلق بالمشاكل العامة التي تهدد جميع البشر وتشمل العالم ككل والقسم الآخر منها يتعلق بالحالات الخاصة التي تصيب بعض الاشخاص من قبيل التشوه والجنون والشلل وهما في الحقيقة بحثين منفصلين لأن الاجابة عن الحالات الخاصة تختلف عن الاجابة عن الحالات العامة لأن المستنتج من الحالات العامة أنها من ضمن النظام الذي أوجده الله في هذا العالم بخلاف تلك الحالات الخاصة التي قد يجاب عنها أنها بسبب ما يقوم به الإنسان من إفساد في العالم. كلا فذلك الجواب لا يصلح للإجابة عن المشاكل التي تواجه كافة البشر وذلك لأنها ليست من صنع يد الإنسان فعسر الولادة عند المرأة مثلاً أمر مخطط له وضعف الإنسان في آخر عمره أمر خططت له اليد التي صنعت العالم وقد صرح القرآن الكريم بهذه الحقيقة قائلا: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ (الروم:544) فالشيب والضعف وعسر ولادة المرأة وآلام المخاض وأوجاع العمود الفقري وغيرها من المشاكل تصيب الجميع وهذا يعني أنها من ضمن النظام وليست أمورا طارئة كما ذكرنا بالنسبة للحالات الخاصة والتي سوف نتعرض لها في بحث مستقل وسنقتصر في هذه المقالة على الاجابة عن القسم الأول من هذه الأسئلة أي ما يتعلق بالمشاكل العامة ضمن عدة بنود.
– أولاً: إن كمال الفاعل لا بد أن يظهر في فعله فالفعل لا بد أن يكون معبرا عن كمال فاعله وكما يستدل بكمال الفعل على كمال الفاعل كذلك يستدل من كمال الفاعل على كمال فعله! وتوضيح ذلك أن المصنوع المتقن يشير إلى مهارة الصانع وحذاقته كما يستدل بجودة البناء على مهارة المهندس وبنجاح العملية الجراحية على حذاقة الطبيب وغيرها من الأمثلة هذا من جهة كذلك يمكن أن يستدل من خلال أن الماهر في حرفته ينتج مصنوعا متقنا وذا جودة تتناسب مع تلك المهارة والحذاقة.وفي مورد الله فإنه تعالى أحسن الخالقين كما يعبر القرآن الكريم وكما يقول العقل الإنساني وحتى الملحد حين يفترض وجود الله فإنه يفترضه كاملا في صفاته ومن كان كاملا في صفاته لا بد أن يكون كاملا في فعله بمقتضى العقل أيضا وهذا ما أشار اليه القرآن الكريم حين قال في مورد المخلوقات “الذي أحسن كل شيء خلقه” ففي المنطق القرآني بما أن الله تعالى أحسن الخالقين فمخلوقه أحسن المخلوقين! وهنا نعيد السؤال كيف يكون العالم والإنسان وسائر المخلوقات هي الأحسن مع ما نشاهده فيها من تلك المشاكل التي تغزوها وتعكر صفوها؟هذا ما سوف نبينه في البند الثاني.
– ثانياً: إن تقييم حسن أو قبح أي شيء لا بد أن يتم على ضوء الغاية التي صنع من أجلها! فقد يكون الشيء جميلاً وحسناً وخيراً نسبة لغاية معينة ويتحول إلى شر على ضوء غاية أخرى كما لو فرضنا أن الغاية من وجود الملعقة هي تقطيع الطعام والغاية من وجود السكين هو تناول الطعام فسوف يعتبر كلاهما نقص بخلاف ما لو اعتبرنا أن الغاية من كل واحدة منهما عكس ذلك فسوف تتغير النظرة والتقييم تماماً. وهذا ما نريد قوله وأن نطبقه على خلق العالم وما فيه وبالخصوص على خلق الإنسان فما هي الغاية من خلق الإنسان؟ قد يعتبر البعض أن الغاية من خلق الإنسان هي التمتع والرفاهية في الدنيا وحينها تنشأ عشرات الأسئلة والاشكالات التي تتعارض مع هذه الغاية لماذا تلد الحيوانات بسهولة وتلد أنثى الإنسان بعسر وألم؟ لماذا يصاب الإنسان بالضعف في آخر عمره؟ ولماذا خلق العمود الفقري عند بعض الحيوانات بشكل أمتن من العمود الفقؤي للإنسان؟ لماذا يصاب غالبية الرجال بمرض البروستات ولماذا تصاب النساء في سن الكبر بسلس البول بعد الولادات المتكررة؟ و…..! أما اذا اعتبرنا أن الغاية من خلق الإنسان ليست التمتع والرفاهية بل التكامل وظهور قواه الإنسانية وتحويلها من قابليات إلى قوى فعلية والوصول إلى أعلى درجات الكمال ودرسنا مدى مساهمة وجود تلك المصاعب والمشاكل العامة في تكامل البشر وفي تحقيق الغاية التي خلقوا من أجلها فسوف يتغير التقييم من شر إلى خير ومن قبيح إلى حسن ومن نقص إلى كمال وجمال!
إذن فليست الدنيا دار رفاهية ومتعة بل هي مزرعة وممر نصل من خلاله إلى عالم الرفاهية والراحة والسعادة في الاخرة وقد خلق الله العالم والإنسان بطريقة تساعد الإنسان على تحقيق تلك الغاية فخلق الإنسان في كبد وجعل المشقة طريقا للحصول على رزقه وهذا لا يعارض خلق الإنسان في أحسن تقويم وأن الله أحسن خلق كل شيء لأن كل هذه الأمور تعين الإنسان على الوصول إلى غايته التي خلق من أجلها ما لم يعرض عن الحق ويركن إلى الدنيا ويصرف كل قدراته وامكاناته فيها غافلا عن الاخرة وعن الغاية التي خلق من أجلها.
إذن فكل تلك المصاعب والآلام والعوامل الطبيعية وغيرها هي من صلب النظام المبني على غاية تكامل الإنسان ولا يتعارض وجودها مع الهدف العام من الخلق بل هي أمور مطلوبة ويعتبر وجودها منسجما مع المشهد العام للخلق وضروريا لتحقيق الغاية من الخلق. هذا بالطبع ما يتعلق بالحالات العامة كما ذكرنا سابقاً ويبقى البحث حول الحالات الخاصة والتي سوف نجيب عنها في مقال مستقل لاحقاً.