فريضة الحج تطهر قلوب الأمة وتؤلف فيما بينها
إنّ كافة الفرائض والواجبات الإلهية تُعدّ في الواقع هدايا إلهية لبني البشر، فالصلاة هدية إلهية، والصيام هدية إلهية، والإنفاق والزكاة كذلك، إلاّ أنّ الحج يتمتع بميزة دولية إسلامية خاصة.
إنّ فريضة الحج ـ إذا ما تمّت عن معرفة ووعي تفيض بالبركة على الحجاج المسلمين وعلى أمتهم الإسلامية الكبرى، فتسوق الحاج إلى النقاء والطهر والمعنوية، وتقرّب الأمة إلى الوحدة والعزّ والاقتدار.
إنّ الحج يهدف إلى التقرّب إلى الله والبراءة من شياطين الإنس والجن بشكل جماعي، وهو عملية تدريبية لتحقيق الوحدة والتلاحم بين الأمة الإسلامية.
الحج تجربة حية في”التوحد” تحت راية “التوحيد” إن اللقاء الذي يتكرر سنوياً بين الإخوة في بيت الحبيب، يُعيد ربط القلوب بقبلة الكون من جهة، وبالأحبّة الذين يعيشون منفصلين عن بعض من جهة أخرى؛ ليبعث النشاط والحيوية في جسد الأمة الإسلامية من الناحيتين الروحية والسياسية.
إنه لزاد ثمين للإنسان أن يتحرر مطلقاً في كل مكان وعمل من الأدران المادية، ويرى الله ولو لأيام معدودات. وإن جميع مناسك الحج وآدابه إنما هي من أجل أن يعيش الحاجّ هذه التجربة الروحية، وأن يحسّ بهذه اللذة في أعماق نفسه. أما من الزاوية السياسية، فإن المحور الرئيس في الحج، هو استعراض الهوية الموحّدة للأمة الإسلامية. إن التباعد بين الإخوة يفسح المجال لمن يتربص بهم من الحاقدين وينمّي بذور التفرق بين المسلمين.
الخلافات بين المسلمين مكنت المستعمر منهم إن الساسة المستعمرين کانوا يعلمون جيداً أنه مع تبلور الهوية الموحدة للعالم الإسلامي، سينسدّ الطريق أمام هيمنتهم السياسية والاقتصادية. فدأبوا علی العمل في نطاق شامل وبشكل طويل الأمد لتصعيد الخلافات بين المسلمين. وتحت مظلة هذه السياسة الخبيثة، استغلوا غفلة جماهير الأمة والنفسية المتخاذلة للقادة السياسيين والثقافيين، فنجحوا في مسعاهم الرامي إلى فرض السيطرة على البلدان الإسلامية.
إنّ سياسة أعداء الإسلام والمسلمين تتركّز على إيجاد الفرقة والشقاق وإشعال فتيل الخلاف والتمزّق بين المسلمين، وهو ما يخدم مصالحهم أكثر من أي حرب عسكرية أو حركة سياسية أو تحدٍّ اقتصادي.
وللأسف الشديد، فإن الأرضية ممهّدة أمامهم، والسبب في ذلك يعود في قسم منه إلى العوامل التاريخية، وفي القسم الآخر إلى ما يخيّم علينا من جاهلية في عصرنا هذا.
فإذا لم يكن هناك تعدد قومي وطائفي ومذهبي ـ كقولهم شيعة وسُنّة ـ لفتّشوا عن الخلافات الموجودة بين أتباع كل مذهب على حدة، بغضّ النظر عن أن يكونوا سنّة أو شيعة، ولأشعلوا نار الفتنة، ولكنهم الآن في غنى عن ذلك، حيث وجدوا في مسألة شيعي وسنّي وسيلة ناجعة في إيجاد الاختلاف بين المسلمين، وهذا ما نشاهده في كل مكان من بقاع العالم الإسلامي. ومع ذلك فقد باءوا بالفشل الذريع والحمد لله.
الجمهورية الإسلامية تحبط فتن الإستكبار للتفرقة لقد أرادوا بعد قيام الحكومة الإسلامية في بلد شيعي أن يوحوا للناس بأن الخلاف بين الفرق الإسلامية والأشقّاء المسلمين بات أشدّ من ذي قبل، إلا أنهم لم يحصدوا سوى الهزيمة والخسران.
إنّ السبب في ذلك يعود إلى أنّ الحكومة الإسلامية تصرّفت بطريقة إسلامية. لقد عبرنا عن مواساتنا لأشقائنا في فلسطين أكثر من أي بلد آخر من بلاد العالم الإسلامي مع أنهم من إخواننا أهل السنّة ولا يوجد بينهم إلا النذر اليسير من الشيعة.
كما أننا قدّمنا أكبر دعم للوحدة بين الشيعة والسنة في العراق. وأما في إيران فإن الأشقاء من الشيعة والسنة يعيشون معاً بكل ألفة ومودّة وتفاهم.
إنّ الحكومة والجمهورية الإسلامية حالت بين الاستكبار وبين بلوغ مطامعه، ولكنهم مازالوا يبذلون جهودهم ـ وللأسف فإنهم قد يحققون شيئاً مما يريدونه في بعض الأصقاع ـ فكونوا منهم على حذر.
إنني أوصي بشدّة وأؤكد على ضرورة الاهتمام بقضية الانسجام الإسلامي وإبطال كيد الأعداء في كافة مراسم الحج وشعائره.
التنبه لعدم إثارة النزاعات المذهبية فلابد إذاً من إيجاد التآلف والاتحاد، وأنّ عليكم أنتم أن تتعاملوا بوعي وحذر، وأن تعرفوا أنه من الخطأ الشديد إثارة النزعات المذهبية في نفوس الأخوة من أهل السنة، بل وإنه لإثم، وأن تأخذوا ذلك على أنه أصل وقاعدة لا ينبغي الخروج منها.
نعم، إنّ ثمّة نقاطاً للخلافات، ولكن التركيز على تلك النقاط وإشعال نار العصبية من خلالها هو بعينه ما تسعى نحوه أجهزة التجسس الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما يريدون تحقيقه.
إنّ البعض يصبح عميلاً لهم دون أن يقصد أو أن يدري، بل ويحقق لهم ما يحلمون به حتى مجّاناً وبلا مقابل، فيحلّ عليه غضب الله وسخطه.
العالم الإسلامي اليوم أحوج ما يكون إلى الوحدة إن العالم الإسلامي أحوج ما يكون الآن إلى الوحدة، فلا بدّ من أن يرتفع صوت في هذا العالم منادياً بالوحدة وداعياً إلى الإتحاد.
إن هذا هو ما يمكن أن يوقف ذالك الجور الذي يتعرّض له شعب فلسطين، إن هذا هو ما يمكن أن يحول دون التدخّل الإستكباري الأمريكي في الشرق الأوسط والدول الإسلامية.
فلم يسبق لأبناء الأمة الإسلامية أن يكونوا يوماً بحاجة إلى بلورة هذه الأخوّة فيما بينهم والبراءة من المشركين والمستكبرين كما هم بحاجة إلى ذلك اليوم.
إن البراءة من المشركين تشكل اليوم نداء القلب والفطرة لجميع الشعوب المسلمة. وإن موسم الحج هو الموقع الوحيد الذي يمكن لهذا النداء أن يدوي فيه بكل قوة من قبل هذه الشعوب كافة.
* من نداءات الإمام الخامنئي إلى حجاج بيت الله
المصادر: بيان الحج لولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي عام 1425 ﻫ ق بيان الحج لولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي عام 1427 ﻫ ق بيان الحج لولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي عام 1428 ﻫ ق