كان الأئمّة المعصومون عليهم السلام يتّبعون في تعاملهم مع زوجاتهم طريقة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسلوكه، فقد كان الإمام عليّ عليه السلام مثلًا يجلب الماء والحطب، ويقوم بتنظيف البيت، وزوجته فاطمة عليها السلام تخبز[1]. وكان عليّ فضلًا عن المساعدة يشرك فاطمة عليها السلام الرأي في الشؤون المُهمّة للأسرة[2]. إنّ هذَيْن الزّوجَيْن الرفيعَيْن اللّذَيْن انحدر منهما أكبر أولياء الله، كانا يعيشان في بيت صغير يحتوي على وسائل بسيطة بمستوي بيوت الطّبقة الدنيا آنذاك[3]، ولهذا لا بد من التوقّف مع بعض المحطات من سيرتهما عند زواجهما:
كم كان مهر الزهراء عليها السلام؟
اختلفت الرّوايات في قدر مهر الزهراء عليها السلام، والمشهور أنّه كان خمسمئة درهم[4] من الفضّة، لأنّه مهر السنّة، كما ثبت ذلك عن طريق أئمّة أهل البيت عليهم السلام.
جانب من زفاف فاطمة عليها السلام:
ولمّا كانت ليلة الزفاف، أتى صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ عليًّا عليه السلام بيمينه وفاطمة عليها السلام بشماله، وضمّهما إلى صدره، فقبّل بين أعينهما، وأخذ بيد فاطمة، فوضعها في يد عليّ، وقال: “بارك الله لكَ في ابنة رسول الله”. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: “يا عليّ، نعم الزّوجة زوجتك”، وقال: “يا فاطمة، نعم البعل بعلك”، ثمّ قال لهما: “اذهبا إلى بيتكما، جمع الله بينكما وأصلح بالكما”، وقام يمشي بينهما حتّى أدخلهما بيتهما[5].
بيت أولياء الله عز وجل:
جهّز عليّ عليه السلام داره، وفرش عليه السلام بيته بالرّمل الليّن، ونصب خشبة من حائط إلى الحائط لتعليق الثياب عليها، وبسط على الأرض إهاب كبش ومخدَّة ليف.
يتقاسمان أعمال المنزل ويتحملان أعباء الحياة معاً بصبر وثبات:
في ذات يوم، دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عليّ عليه السلام، فوجده هو وفاطمة عليها السلام يطحنان في الجاروش، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “أيّكما أعيى؟”، فقال عليّ عليه السلام: “فاطمة يا رسول الله”، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “قومي يا بنيّة”، فقامت عليها السلام وجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم موضعها مع علي عليه السلام، فواساه في طحن الحبّ[6]. وعن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: “كان أمير المؤمنين عليه السلام يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز”[7].
وجاء في تفسير “العياشي” بسنده عن أبي جعفر عليه السلام قال: “إنّ فاطمة ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت، والعجين، والخبز، وقمّ البيت، وضمن لها عليٌ ما كان خلف الباب: نقل الحطب، وأن يجيء بالطعام”. فقال لها يومًا: “يا فاطمة هل عندك شيء؟”، قالت: “والّذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به”، قال: “أفلا أخبرتني؟” قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاني أن أسألك شيئًا”، فقال: “لا تسألين ابن عمك شيئًا أن جاءك بشيء (عفو) وإلّا فلا تسأليه”[8].
* من كتاب الزواج في الإسلام – بتصرف
[1] الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج14، باب 124 من أبواب مقدّمات النكاح.
[2] مجموعة من الباحثين، الأسرة بمنظار الإسلام وعلم النفس.
[3] هاشم معروف الحسني، حياة الأئمّة الاثني عشر، ص85.
[4] الدرهم الواحد يساوي 2.52 غرام فضة، وعليه يكون المهر كالآتي:500درهم ×2.52 غرام فضة = 1260 غرام فضة.
[5] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 43، ص 142.
[6] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 43، ص 50.
[7] م.ن، ج 43، ص 151.
[8] م.ن، ص31.