في الإسلام مواضيع شرعيّة إنصبّت عليها أحكام الشرع الحنيف كحكم الحرمة الذي إنصبَّ على مواضيع محدَّدة مثل: الغناء، الربا، الزنا، إشاعة الفاحشة…
فهل يوجد موضوع شرعيّ تنصبّ عليه حرمة شرعيّة إسمه الإختلاط بين الجنسين؟ الجواب: كلا، لكن هناك جملة من الأحكام الشرعيّة تعلّقت بعناوين لها علاقة بالاختلاط تؤدّي إلى فهم أطروحة الإسلام المتعلِّقة بالاختلاط بين الجنسين.
ونعرض من هذه الأحكام الآتي:
1- الأمر بالحجاب
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾1.
2- الأمر بغضّ البصر
قال الله تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ…﴾2.
ومعنى الغضّ في اللغة: الخفض والنقصان من الطرف، فغضّ البصر يعني عدم التحديق والإمعان في الشيء، ولا يعني عدم النظر مطلقًا.
وقد حذّرت الأحاديث الشريفة من الآثار السلبيّة للنظر المنطلق من خلفيّة جنسيّة أو الموجِد لها، فعن الإمام الصادق عليه السلام:
– “النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة”3.
– “النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة”4.
3- النهي عن الميوعة في أسلوب الكلام
قال الله تعالى: ﴿…فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفً﴾5.
إنّها دعوة للمرأة المسلمة أن تتحدّث بأسلوب متّزن بعيد عن الأساليب التي تتسبّب بفتنة المستمع من الرجال، لا سيّما الذين في قلوبهم مرض.
4- النهي عن الحركة الهادفة إلى الإعلام بالزّينة المخفية
قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾6.
5- النهي عن تزيّن المرأة للأجنبيّ
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “ونهى أن تتزيّن لغير زوجها، فإن فعلت كان حقًا على الله عزّ وجلّ أن يحرقها بالنار”7.
6- النهي عن التطيّب الجاذب للأجنبيّ
عن الإمام الباقر عليه السلام: “ولا يجوز لها أن تتطيّب إذا خرجت من بيتها”8.
7- النهي عن اللمس والمصافحة بين الجنسين
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “من صافح امرأة حرامًا جاء يوم القيامة مغلولاً، ثمّ يؤمر به إلى النار”9.
8- النهي عن الخلوة بين الجنسين
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “لا يخلون رجل بإمرأة، فما من رجل خلا بإمرأة إلاّ كان الشيطان ثالثهما”10.
والمراد من الخلوة بين الرجل والمرأة أن يكونا في مكان لا يدخله ثالث.
إنّ فلسفة الأحكام السابقة أنّ الإسلام أراد أن ينظِّم العلاقة الجنسيّة بين الرجل والمرأة، فشرَّع ودعا إلى إرضاء لذّة الجنس من خلال طريق الزواج دون غيره، ففي العلاقة الزوجيّة يمكن للإنسان أن يطلق العنان لشهوته، أمّا خارج هذه العلاقة فإنّه يؤكِّد على أن ينطلق كلٌّ من الرجل والمرأة في المجتمع كإنسان يتكامل في إنسانيّته، وهذا الأمر يتأكّد في المرأة التي من خصائصها أمران: جمال جسديّ، وضعف بنيويّ، ممّا يجعل بعض الرجال ينظرنّ إليها لا على أساس إنسانيّتها، بل من منطلق الانشداد الجنسيّ، وقد يستغلّ ضعفها البنيويّ، فيؤذيها، كما نسمع يوميًّا من حالات الاغتصاب في العالم.
ولعلّه لأجل ذلك قال الله تعالى: في آية الحجاب السابقة: ﴿…فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾11.
وكذلك فإنّ التعبير عن الذي ينظر إلى المرأة من خلال الانشداد الجنسيّ بأنّه: ﴿فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾12، يدلّ على انحراف هذا الإنسان عن طريق كماله الذي لا يتحقّق إلاّ من خلال التعامل الإنسانيّ مع الآخر.
والخلاصة: إنّ الإسلام، وإن لم يحرِّم الاختلاط بين الجنسين كعنوان مستقلّ بنفسه إلاّ أنّه شرَّع أحكامًا تصبّ في خانة حماية المرأة ثمّ الرجل عن الانحراف من مسار الإنسانيّة والتكامل، فأراد منهما أن يسيرا دون معوِّقات في تكاملهما الإنسانيّ.
استفادات من الأحكام السابقة
في إطار تحقيق هدف التكامل يستفاد من الأحكام المتقدِّمة المتعلِّقة بالعلاقة مع الجنس الآخر أمور منها:
1- تجنّب الإيحاء الجنسيّ
إنّ النهي عن الخضوع بالقول أي الميوعة هو إيحاء جنسيّ وكذلك قد يحصل هذا الإيحاء من خلال النظرة، واللمس، والعطر، والزينة…
2- تجنّب كسر حاجز الحياء
من الأمور الأساسيّة في توطيد العلاقة الإنسانيّة بين الرجل والمرأة، وعدم انحرافها عن مسار التكامل هو الحياء، في حين أنّ ما تقدّم من الأمور التي حرِّمت تساهم في كسر حاجز الحياء من النظرة إلى الميوعة إلى اللمس… إلى غير ذلك.
الاختلاط الإلكترونيّ
في عصر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعيّ، هناك نوع آخر من التواصل بين الجنسين وقد تورِّط الإنسان في الوقوع في سلوك يُحرف مساره التكامليّ، لا سيّما من خلال الإيحاء الجنسيّ وكسر حاجز الحياء، فالفتاة التي قد لا تجرؤ على المواجهة المباشرة مع الشاب، تجد نفسها، وهي في منزل أهلها، جريئة في المحادثة بواسطة الهاتف على الفايسبوك أو الواتس آب أو غيرهما من وسائل التواصل الاجتماعيّ، وبهذه الوسيلة تتدرّج في كسر حاجز الحياء، وتتطوّر العلاقة بينهما من إرسال زهرةٍ إلى قلبٍ جامد، إلى قلبٍ ينبض، وقد تتطوّر العلاقة أكثر حينما تسرُّ المتزوِّجة صديقها الفايسبوكيّ عن خصوصياتها مع زوجها، وقد تشتكي له جمود زوجها العاطفيّ، أو عدم الانسجام معه في العلاقة الخاصّة، ممّا قد يؤدّي بالطرف الآخر أن يستغلّ هذه الحالة فيبدي تجاهها عاطفةً لم تجدها من زوجها، وقد تتطوّر الأمور إلى ما لا يحمد عقباه من الابتزاز الجنسيّ أو المادّي إلى الخيانة الزوجيّة، إلى غير ذلك، فقد ترسل الفتاة صورًا لها فيها مشهديّة الإيحاء الجنسيّ، فيستغلّ الطرف الآخر ذلك بابتزازها جنسيًا أو ماليًا مهدِّدًا بنشر تلك الصور، أو بإرسالها إلى زوجها في حال كانت متزوِّجة.
وسائل التواصل الاجتماعيّ والطلاق
أفادت العديد من الدراسات أنّ مواقع التواصل الاجتماعيّ ساهمت في ارتفاع نسب الطلاق في دول عديدة، وفي ما يلي نعرض بعضًا من تلك النتائج:
1- السعودية / العام 2012: ارتفعت حالات الطلاق إلى أكثر من 30 ألف حالة، أي 82 حالة في اليوم، وأحد أهم الأسباب المؤدّية إلى الطلاق، بحسب دراسة أعدّتها صحيفة “سبق” الاقتصاديّة، هو وسائل التواصل الاجتماعيّ13.
2- مصر/ العام 2013م: شهدت مصر أكثر من 75 ألف حالة طلاق، والدوافع، بحسب موقع “ستار تايمز” الالكترونيّ، لحوالي 40 ألف حالة يعود للهوس بالأنترنت في مواقع التواصل الاجتماعيّ أو مواقع أخرى غير أخلاقيّة14.
3- الأردن / العام2015: بلغت نسبة الطلاق في الأردن بسبب مواقع التواصل الاجتماعيّ، وفي مقدّمها الواتس آب، نحو ثلث الأسباب المؤدّية لانفصال العلاقة بين الزوجين، وفق تقديرات محامين شرعيين15.
4- الإمارات / العام 2015: زادت نسبة الخلافات الزوجية المسجَّلة 5000 حالة منها بين 50 إلى 60? تتعلّق بمواقع التواصل الاجتماعيّ، وانتهت 1000 حالة منها بالطلاق16.
* لا تقربوا، سماحة الشيخ أكرم بركات، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.