شهر رمضان وحفل التخرج
ينتهي شهر الله تعالى ليتوّج بعيد الفطر الذي هو شبيه بحفل التخرُّج للناجحين في جامعة شهر رمضان، وبرنامج هذا الحفل يتألف من الأمور الآتية:
• تحديد الناجحين.
• توزيع الجوائز عليهم.
• كلمة شكر من المتخرجين.
• تلاوة التوصيات الناتجة من تقييم المشاركات.
1-أمّا الناجحون
فهم الذين ورد ذكرهم في ما ورد عن الإمام علي عليه السلام: “إنّما هو عيد لمن قَبِلَ الله صيامه، وشكر قيامه، وكلُّ يوم لا يُعصى الله فيه، فهو عيد”1.
2-أمّا الجوائز
فهي التي أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قيمتها بقوله الوارد عنه: “إذا كان أول يوم من شوّال نادى منادٍ: أيُّها المؤمنون، اغدوا إلى جوائزكم… جوائز الله ليست كجوائز هؤلاء الملوك… هو يوم الجوائز”2.
3-أمّا شكر المتخرّجين
فهو شكر منهم لله تعالى على توفيقه لصيام شهر رمضان المبارك وقيامه، وهم وإن كانوا لا يستطيعون أداء الشكر الحقيقي؛ لأنّه كما ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام: “فكيف لي بتحصيل الشكر، وشكري إياك يفتقر إلى شكر”3.
ولكن مع ذلك فلا بُدَّ من محاولة سلوك سبيل الشكر، وهذا ما حدَّدته الشريعة في عيد الفطر من خلال عناوين هي:
أولاً: من خلال ذكر الله تعالى بالتكبير والتهليل والحمد والشكر بأن نقول:
“ألله أكبر ألله أكبر، لا إله إلا لله، والله أكبر، ألله أكبر، ولله الحمد، الحمد لله على ما هدان، وله الشكر على ما أولانا”4.
ثانياً: من خلال إدخال فرحة العيد على فقراء المسلمين بإعطائهم زكاة الفطرة التي هي شرط في قبول صوم شهر رمضان.
ثالثاً: من خلال المشاركة في صلاة العيد التي يجتمع فيها المسلمون مع، المنكب إلى جانب المنكب، صفوفاً متراصّة كما يحبّ الله تعالى، ففي الحديث: “إنّما جعل يوم الفطر؛ ليكون للمسلمين مجتمعاً يجتمعون فيه، فيحمدون الله على كل ما منَّ عليهم”5.
رابعاً: من خلال شكر صاحب الرسالة الذي عانى ما عانى لتبليغها حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم: “ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت”6، وذلك بدعائنا لله تعالى في قنوت العيد الذي نكررّه قائلين: “أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً، ولمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم ذخراً وشرفاً ومزيداً أن تصلّي على محمّد وآل محمّد”7.
خامساً: من خلال شكر من أولد الإسلام ولادة ثانية، ولولاه لما بقي للإسلام من أثر، وهو الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام الذي ورد استحباب زيارته في عيد الفطر.
“السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبيِّ الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد صلى الله عليه وآله وسلم حبيب الله، السلام عليك يا ولي الله”8.
سادساً: من خلال استحضار صاحب العيد، وإمامه الحقيقي صاحب العصر والزمان| بالتأكيد على قراءة دعاء الندبة في مثل هذا اليوم المعبِّر عن التطلّع للأمل القادم بإزالة العدوان، واتحاد الأمة وفتح باب الكمال الإنساني نحو الله تعالى، فنقول فيه: “أين بقية الله؟… أين المرتجى لإزالة الجور والعدوان؟ أين قاصم شوكة المعتدين؟ أين جامع الكلمة على التقوى؟”9.
4-أمّا التوصيات الناتجة من تقييم المشاركة في شهر رمضان فيمكن تلخيصها في ثلاثة عناوين:
الأول: اكتشاف يحتاج إلى تثبيت
فقد اكتشفنا في شهر رمضان أنّ إرادتنا يمكن أن تتغلّب على شهواتنا من أكل وشرب وتدخين وغيره، فصمنا عنها، وكرَّرنا الصيام شهراً كاملاً تغلّب فيه سلطان العقل على الشهوات.
وهذا أمر يجب أن نستثمره في إبقاء غلبة العقل والإرادة، لنقف عند حدود الله تعالى، ولننطلق فيما أحبَّ الله عزَّ وجل.
الثاني: عادات بحاجة إلى مداومة
• فقد اعتدنا في شهر رمضان على عبادات يحبّها الله تعالى، وعلينا أن نداوم عليها بعد شهر رمضان:
أ- فقد اعتدنا في شهر رمضان على صلاة الصبح في أوّل وقتها أداءً لا قضاءً، لعلّنا نداوم على ذلك بعده.
ب- واعتدنا في شهر رمضان أن نستيقظ في وقت السحر المبارك، لعلّنا نكمل الاستيقاظ في هذا الوقت للتقرّب إلى الله تعالى بالنوافل، ولو في ليلة الجمعة من كلّ أسبوع.
ج- واعتدنا في شهر رمضان أن نقرأ القرآن الكريم، لعلّنا نستكمل ذلك بقراءة القرآن الكريم كلّ يوم، فالمؤمن ينبغي أن يقرأ كلّ يوم خمسين آية، فعن أبي عبد الله عليه السلام: “القرآن عهد الله إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده، وأن يقرأ منه في كلّ يوم خمسين آية”10.
د- اعتدنا في شهر رمضان أن نداوم الحضور في المساجد التي ورد فيها عن الله عزّ وجل: “إن بيوتي في الأرض المساجد ، فطوبى لعبد تطهَّر في بيته، ثم زارني في بيتي ، ألا إنّ على المزور كرامة الزائر”11. وعلينا أن نبقى مداومين على هذه العبادة؛ لنكون ممن يظلّلهم الله يوم القيامة بظلِّ عرشه.
هـ- واعتدنا في شهر رمضان أن نجلس كأسرة على مائدة الإفطار جلسة كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفضّلها على الاعتكاف في المسجد النبوي المبارك.
كم نحن بحاجة إلى أن نحافظ على تماسك الأسرة وتطوّره، ونحن في هذه الأيام نواجه حرباً ناعمة تُمارس على مجتمعنا تستهدف الأسرة بهدف القضاء على المنعة الاجتماعية.
و- اعتدنا في شهر رمضان على التواصل الاجتماعي مع الأرحام والجيران والأصدقاء، من خلال سهرات يُذكر فيها الله تعالى، وهذا ما يُحصِّن المجتمع، ويزيد في منعته ويرقّيه في كماله.
مضافاً إلى الاستفادة الكبيرة من ثواب زيارة المؤمن التي ورد فيها: “من زار مؤمناً فكأنما زار الله تعالى”12.
كم من الجميل أن يخطّط أهلنا الأعزاء بعد شهر رمضان لسهرات دينية يباركون فيها بيوتهم ويحصّنون عائلاتهم ويتقرّبون بها إلى الله تعالى.
ز- واعتدنا في شهر رمضان أن نلتفت أكثر إلى المحتاجين من فقراء ومساكين وأيتام بما يحقّق ما يحبُّ الله تعالى من التكافل الاجتماعي.
الثالث: مكتسبات بحاجة إلى محافظة
في شهر رمضان كسب كثير وربح وفير. كانت الآية فيه بقرآن، وصلاة الفريضة بسبعين، والنافلة ببراءة من النار، ووصل الرحم وصلٌ لرحمة الله تعالى عند اللقاء، والصلاة على محمد وآل محمد تثقيل لميزان العبد يوم القيامة، وغير ذلك كثير، وهذا ما يجب المحافظة عليه، من خلال عدم إحراقها بفعل الحرام، كما فعل ذلك الجاهل الذي احترم شهر الله، فامتنع فيه عن شرب الخمر، ولكن ما أن ولّى الشهر الفضيل حتى ذهب إلى المخمرة ونادى:
رمضان ولّى هاتها يا ساقي مشتاقة تهفو إلى مشتاقِ
لقد زَرَعنا في شهر رمضان، وعلينا أن نحافظ على زَرْعن، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “من قال: سبحان الله، غرس الله له بها شجرة في الجنّة، ومن قال: الحمد لله، غرس الله له بها شجرة في الجنّة، ومن قال: لا إله إلا الله، غرس الله له بها شجرة في الجنّة، ومن قال: الله أكبر، غرس الله له بها شجرة في الجنة، فقال رجل من قريش: يا رسول الله، إنّ الأشجار في الجنة لكثيرة. قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، ولكن إياكم أن ترسلوا إليها نيراناً فتحرقوه، وذاك أن الله عزّ وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾13″14.
1 نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، تحقيق محمد عبده، ط1، دار الذخائر، قم، 1412هـ، ج4، ص100.
2 ابن طاووس، إقبال الأعمال، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني، ط1، مكتب الإعلام الاسلامي، 1414هـ، ج1، ص481.
3 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج91، ص146.
4 المصدر السابق، ج88، ص118.
5 الطريحي، مجمع البحرين، تحقيق السيد أحمد الحسيني، ط2، مكتب النشر الثقافية الإسلامية، 1367ش، ج3، ص274.
6 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج39، ص56.
7 المصدر السابق، ج87، ص379.
8 المصدر السابق، ج97، 337.
9 ابن طاووس، إقبال الأعمال،تحقيق جواد الأصفهاني، ط 1، مكتب الإعلام الإسلامي، (لا، ت)، ج1، ص508.
10 الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق علي أكبر غفاري، ط4، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1365ش، ج2، ص 609.
11 الصدوق، محمّد بن علي، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص 239.
12 البهائي العاملي، العقد الحسيني، تحقيق جواد المدرسي اليزدي، (لا،ط)، يزد، (لا،ن)، (لا،ت)، ص 6.
13 سورة محمد، الآية33.
14 الميرزا التقي، غنائم الأيام، تحقيق عباس تبريزيان، ط1، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، ج5، 1420ه، ص2.