إذا اعتكف الإنسان حرمت عليه بعض الأمور ويجب عليه الالتزام بالاجتناب عنها، فما هي تلك المحرّمات؟ سوف نتعرف عليها معاً في هذه الفقرة وهي:
1- مباشرة النساء: والمقصود من ذلك ليس مجرد العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة بالاتصال الجنسي، أوالجماع بل يضاف إليه سائر الاستمتاعات في هـذا المجـال من التقبيـل أو اللمس بشــهوة فـإن ذلـك كلـه حــرام ومبطل للاعتكاف قال اللّه تعالى: ﴿ … وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ …﴾1.
ولا فرق في هذا الحكم بين الرجل والمرأة، فسواء كان الرجل المعتكف والمرأة غير معتكفة، أو كانت هي معتكفة وهو غير معتكف، أو كان كلاهما معتكفين.
2- الاستمناء على الأحوط: ويراد به إنزال المني باليد أو بأية وسيلة أخرى وهو على قسمين: أ – ما يكون حراماً مطلقاً وبغض النظر عن الاعتكاف لأنه محرم بالأصل وهو ما يمارسه الإنسان مستقلاً بنفسه عن الزوجة. ب – ما يكون حلالاً لاشتراك الزوجة فيه ومعاونتها عليه كما لو كان بيدها أو نظر الرجل إليها فاستمنى.
وفي كلتا الصورتين يحرم ما دام المكلّف معتكفاً وليس القسم الثاني مستثنى من الحرمة على الأحوط .
3 – شمّ الطيب: ويعني ذلك كل مادة لها رائحة طيبة وتتخذ للشم والتطيب كالعطورات المعروفة والمتداولة مثل عطر الورد والمسك والعنبر وما شاكلها.
وقد تسأل هل يدخل في ضمن هذا المحرّم ما لو شمّ المعتكف الأزهار والرياحين مباشرة قبل أن يصنع منها العطر ويعبّأ في الزجاجة أو لا بأس في ذلك؟. والجواب:نعم يحرم عليه التلذذ برائحة الرياحين والورود كالياسمين والزنبق وكل نبات له رائحة طيبة وليست الحرمة مختصة بالعطر المصنوع فقط.
وقد يخطر بالبال سؤال وهو هل إذا كان المعتكف فاقداً لحاسة الشمّ تبقى حرمة شمّ الطيب والتلذذ بالرياحين ثابتة في حقه أو لا يكون ذلك حراماً بالنسبة إليه؟ والجواب:فاقد حاسّة الشم لا يحرم عليه ذلك بل هو خارج عن هذا الأمر.
4– التجارة: المحرّم الرابع من محرّمات الاعتكاف التجارة بالبيع والشراء والإجارة وغيرها من شتى أنواعها ولا يدخل في ذلك ما يمارسه الإنسان من أعمال نافعة في حياته كالخياطة والطبخ والحياكة والأعمال المنزلية من كنس وتنظيف وغسل للثياب والأواني.
أ – لكن لنفرض أن المعتكف والعياذ باللّه تعالى عصى وتاجر حال اعتكافه فإنه من المعلوم أن اعتكافه يبطل فهل أن تجارته تكون باطلة وغير نافذة المفعول بحيث أن السيارة التي يبيعها وهو معتكف لا تصبح ملكاً للمشتري وثمنها لا يصبح ملكاً له للبائع أو أن التجارة تكون صحيحة ونافذة بالرغم من كونها محرّمة لأنها حالة الاعتكاف؟ الجواب:أن التجارة صحيحة ونافذة المفعول والبيع والشراء صحيحان وينتقل المبيع إلى المشتري والثمن إلى البائع دون إشكال.وإن كان الاعتكاف يبطل بهذه العملية.
ب – هل توجد حالة لا يحرم معها البيع والشراء على المعتكف؟ الجواب:نعم هناك حالة يحلّ للمعتكف معها أن يبيع ويشتري ولا يكون ذلك مفسداً لاعتكافه حينما يكون بحاجة ماسّة ومضطراً للتجارة لأجل أن يأكل ويشرب بحيث توقف ذلك عليها فلا تكون محرّمة حينذاك بشرط عدم إمكان التوكيل في البيع والشراء أو الحصول على ما دعت الحاجة إليه من طعام وشراب عن طريق غير البيع لكونه متعذراً وإلا لا إشكال في ذلك.
5- الجدال على أمر ديني أو دنيوي: والمراد هنا ليس مطلق الجدال بل المحرّم هو خصوص المماراة التي تعني المجادلة والمنازعة في قضية ما لإثبات وجهة نظر معينة فيها حباً بالظهور والفوز على الأقران أي لأجل أن يغلب أصحابه في الأمر المتنازع عليه بينهم ويظهر فضيلته وقدراته العلمية والحوارية أمامهم وهذا لا يفرّق فيه بين كون وجهة نظره صحيحة أو فاسدة طالما كانت النية مجرد الاعتراض على الآخر لإظهار أنه أعلم منه وليس لدفع الباطل أو إحقاق الحق وأما إذا كان الأمر لأجل ردّ الخصم عن الخطأ، فلا بأس .
أ – وهل يوجد فرق بين كون القضية المطروحة للجدال قضية دينية أو قضية دنيوية؟ الجواب:لا فرق بين القضيتين طالما كان المقصود هو المماراة وغلبة الآخر فإن ذلك حرام. ويتلخص أن الجدال على قسمين أحدهما: لتصحيح خطأ الآخرين وهو ليس محرماً على المعتكف والآخر: لأجل التغلب على الآخرين وإظهار القدرات العلمية أمامهم وهو من محرّمات الاعتكاف. ب- وقد تتساءل هل ما تقدم من محرّمات الاعتكاف مختص بالنهار ولا يشمل الليل بمعنى أن المعتكف في الليل يكون قد أفطر فهل يجوز له مقاربة زوجته أو أنه لا فرق بين الليل والنهار بالنسبة إليه حيث تكون مباشرة الزوجة وسائر المحرمات الباقية حراماً عليه حتى في الليل؟ الجواب:لا فرق في المحرمات المذكورة على المعتكف بين الليل والنهار فلا يجوز له مباشرة النساء في الليل وهو مفطر كما لا يجوز وهو صائم في النهار طالما كان معتكفاً وكذلك حرمة التجارة وشم الطيب والجدال والاستمناء وسائر المحرمات.
* أحكام الاعتكاف، سلسلة الفقه الموضوعي ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- البقرة:187.