﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾1.
مشركو قريش يحرِّضون على قتل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
اغتاظ كفّار قريش من وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة، فأرسلوا إلى عبدة الأوثان (ورأسهم عبدالله بن أبي سلول) يهدّدونهم “إنّكم آويتم صاحبنا، وإنّكم أكثر أهل المدينة عدداً، وإنّا نقسم بالله، لتقتلنّه، أو لتخرجنّه، أو لنستعيننَّ عليكم العرب، أو لنسيرنّ إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم”2.
إلا أنّ عبدة الأوثان خافوا من تسبيب مواجهة المسلمين بقتال الأبناء والإخوان, فتراجعوا وتفرَّقوا, فبلغ ذلك كفّار قريش.
معركة بدر
التوقيت: السنة الثانية للهجرة 17 شهر رمضان.
سبب خروج المسلمين: اعتراض قافلة قريشية بقيادة أبي سفيان لا يزيد رجالها عن 40 رجلاً.
ردّ فعل أبي سفيان: علم أبو سفيان بخطّة المسلمين, فأرسل إلى قريش مستغيثاً, وغيَّر طريقه نحو الساحل، ونجا بقافلته.
الواقع الميداني: قدمت قريش متجهزة للحرب تحت شعار: من لم يخرج نهدم ماله, فلم يتخلّف رجل إلا أخرج رجلاً مكانه.
المقارنة بين الجيشين
المسلمون مشركو قريش
عدد المقاتلين 313 950
عدد الإبل 70 بعيراً 700 بعير
عدد الأفراس 1 وقيل 2 400 فرس, وقيل 200,
وقيل 100 فرس
كمية السلاح 8 سيوف, 6 أدرع 600 درع
– سبق المشركون المسلمين إلى بدر، فنزلوا في الموقع العسكري المناسب بخلاف المسلمين.
رغم كل ذلك كانت:
نتيجة المعركة= انتصار المسلمين ضمن التفصيل الآتي:
المسلمون قريش
شهداء / قتلى 9, وقيل 11, وقيل 14. 70, وقيل 45
أسرى لا شيء 70 أسيراً
الغنائم 15 بعيراً,10 أفراس لا شيء
تحليل للأسباب
– أمّا المشركون:
فهدفهم الدنيا فقط.
شاهد على ذلك: طرح بعض كفّار قريش الرجوع إلى مكّة، فكان الجواب: “لا, واللات والعزَّى حتى نقحم عليهم بيثرب ونأخذهم أسارى، فندخلهم مكة، وتتسامع العرب بذلك، ولا يكون بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه”3.
فالهدف دنيوي لا موضع للآخرة فيه, وهذا ما يُفقد دافع الاستعداد للموت في المعركة.
– أمّا المسلمون:
فهدفهم الآخرة.
شاهد على ذلك: لمّا نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى كثرة المشركين, وقلّة المسلمين استقبل القبلة، وقال: “اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهمّ إنْ تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض”4.
عناصر القوّة لدى المسلمين
1- الاستعانة بالله في المعركة وطلب العون منه
إضافة إلى دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتقدّم ورد عن الإمام علي عليه السلام قال: “لما كان يوم بدر قاتلت شيئاً من قتال، ثم جئت مسرعاً لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما فعل, فجئت، فإذا هو ساجد يقول: يا حيّ يا قيّوم، يا حيّ يا قيّوم، لا يزيد عليها . فرجعت إلى القتال، ثمّ جئت، وهو ساجد يقول ذلك أيضاً، فذهبت إلى القتال . ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك، حتى فتح الله عليه”5.
2- المعنويات العالية
جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه وسألهم عن رأيهم في الحرب، فقام المقداد (رض) وقال: “يا رسول الله، إنّها قريش وخيلاؤها، وقد آمنّا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حق من عند الله، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا (نوع من الشجر الصلب)، وشوك الهراس لخضناه معك، ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى: إذهب أنت وربك، فقاتلا، إنّا ها هنا قاعدون، ولكنَّا نقول: إذهب أنت وربّك، فقاتلا، إنا معكم مقاتلون . والله لنقاتلن عن يمينك وشمالك، ومن بين يديك، ولو خضتَ بحراً لخضناه معك، ولو ذهبت بنا بُرَك الغماد لتبعناك”6.
وقام سعد بن معاذ (رض) وقال: “بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنّا قد آمنّا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله، فمُرْنا بما شئت والله، لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك، ولعلّ الله يريك ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله”7.
3- حسن التخطيط
ورد أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه: “غضّوا أبصاركم، ولا تبدؤوهم بالقتال، ولا يتكلمنّ أحد. وسكت المسلمون، وغضّوا أبصارهم، امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”8.
وفي هذه الأثناء قدم رصد المشركين، فرآهم على حالتهم هذه، فرجع يقول: “ما لهم كمين، ولا مدد، ولكن نواضح يثرب حملت الموت الناقع . أما ترونهم خرساً لا يتكلمون؟ يتلمّظون تلمّظ الأفاعي، مالهم ملجأ إلا سيوفهم! وما أراهم يولّون حتى يُقتلوا، ولا يُقتلون حتى يُقتل بعددهم”9.
4- الصدق العملي للقيادة
وهذا ما تجلى من خلال من قدَّمهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أول المعركة أهل بيته وهم حمزة وعلي وعبيدة.
5- وجود عناصر شديدة الإخلاص تريد الآخرة
ومن الشواهد على ذلك:
1- بعد المواجهة الأولى حمل حمزة وعلي عبيدة بن الحارث بعد أن قُطعت فخذه, وأتيا به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, فاستعبر وقال: “يا رسول الله، ألست شهيداً؟! قال صلى الله عليه وآله وسلم: “بلى، أنت أوّل شهيد من أهل بيتي”10.
قال عبيدة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أما لو كان عمُّك حيّاً لعلم أنّي أولى بما قال منه، قال صلى الله عليه وآله وسلم: وأيّ أعمامي تعني؟ قال: أبو طالب، حيث يقول:
كذبتم، وبيتِ الله يُبْزي محمد
ولمّا نطاعن دونه ونناضلْ
ونسلمه حتى نصرع حوله
ونذهل عن أبنائنا والحلائلْ”11
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله”12.
2- لمّا سمع عمير بن الحمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يَعِدُ من يستشهد بالجنّة, وبيد عمير تمرات يأكلهن, قال: “لئن حييت حتى آكل تمراتي، إنّها لحياة طويلة . ثم رمى التمرات من يده، وقاتل حتى قُتِل”13.
3- قال رجل من المشركين: “وأنا أحدِّثك ما يهزمنا: إنّه ليس منّا رجل إلا وهو يحبّ أن يموت صاحبه قبله، وإنّا لنأتي قوماً كلّهم يحبّ أن يموت قبل صاحبه”14.
6- قوة الإمام علي عليه السلام
قتل الإمام علي عليه السلام الوليد، وجاء فوجد حمزة معتنقاً، فقال عليه السلام: يا عم، طأطئ رأسك, وكان حمزة طويلاً- فطيَّر نصف غريمه بالسيف, ثم قدم إلى عبيدة وأجهز على عتبة.
وما زال علي عليه السلام يقاتل حتى قتل نصف المشركين، واشترك في النصف الآخر.
قال ابن اسحاق: “أكثر قتلى المشركين يوم بدر كان لعلي عليه السلام”15.
وفي بعض الروايات أنّ جبرئيل نادى بين السماء والأرض في بدر: “لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار”16.
النتيجة: نصر الله
﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾17.
﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾18.
* كتاب شهر الله، سماحة الشيخ أكرم بركات.
1 سورة الحج, الآيتان 39,40.
2 مرتضى، جعفر، الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ط4، بيروت، دار الهادي، 1995م، ج5، ص9.
3 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج19، ص250.
4 المصدر السابق، ص221.
5 مرتضى، جعفر، الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ط4، دار الهادي، بيروت، ا415هـ، ج5، ص68.
6 المصدر السابق، ص22.
7 المصدر السابق، ص24.
8 المصدر السابق، ج5، ص 38.
9 المصدر السابق نفسه.
10 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج19، ص225-226.
11 المصدر السابق، ص 255.
12 مرتضى، جعفر، الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ج5، ص 47.
13 المصدر السابق، ص74.
14 المصدر السابق، ص73.
15 المصدر السابق، ص 59.
16 المصدر السابق، ج11، ص 35.
17 سورة الأنفال، الآيتان 9-10.
18 المصدر السابق، الآية 12.