حسن الظن بالناس
قَالَ أمير المؤمنين (عليه السلام):
“لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ سُوءاً، وأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلاً”.
رسمت التشريعات الإسلامية الأخلاقية والسلوكية مفاهيم تربوية أرادت من خلالها تحصين المجتمع من الانحراف والفساد والاختلاف المورث للعداوة والبغضاء، ومن هذه المفاهيم دعت التعاليم الإسلامية إلى حسن الظن بالآخرين وعدم حمل أي تصرف أو سلوك منهم على المحامل السيئة التي تورث شقاقا ونفورا.
فالاجتناب عن سوء الظن عمل وقائي يحترز به الإنسان عن الوقوع في مخالفات شرعية متعددة وقد قال تعالى في كتابه الكريم مبيّنا مخاطر سوء الظن:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ فإن مفتاح التجسس والغيبة هو سوء الظن، فإذا أساء الإنسان الظن بأخيه دفعه ذلك للتجسس عليه لمعرفة مدى صحة سوء ظنه ولعل ذلك يجره إلى معرفة عيب في أخيه فيدفعه ذلك إلى غيبته، وهكذا ينجر الإنسان من معصية إلى أخرى.
ولخطورة سوء الظن كفى أن يكون بعض الظن إثما ليصدر الأمر بالاجتناب عن الكثير من سوء الظن، لأن المفاسد المترتبة على هذا البعض من سوء الظن تحتاج إلى تحصين شديد.
ولذا ينهى أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الذهاب إلى سوء الظن ما دام احتمال الخير قائما في أي كلمة.
ويصف الإمام (عليه السلام) في كلام آخر له الظن بأنه عامل يوجب القضاء على قاعدة تشكل أساسا في تعامل الناس مع بعضهم البعض وهي قاعدة الثقة فيقول: “لَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ الْقَضَاءُ عَلَى الثِّقَةِ بِالظَّنِّ”، فالظن السيئ مخالف للعدل.
وحَثّاً على المحافظة على سلامة النفس من الوقوع في مخاطر سوء الظن، ينبغي التحرز عن مصادقة سيء الظن، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) من وصيته لابنه الحسن (عليه السلام):“لا خَيْرَ فِي مُعِينٍ مَهِينٍ ولَا فِي صَدِيقٍ ظَنِينٍ”.
وكما يجب حفظ النفس من الوقوع في سوء الظن بالغير، يجب أيضا حفظها عن مواطن إساءة الظن، فالاتهام قد يكون له ما يبرره، وقد ورد في الحديث: “مَنْ وَضَعَ نَفْسَه مَوَاضِعَ التُّهَمَةِ فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِه الظَّنَّ”.
وكما وردت الروايات بالحث على اجتناب سوء الظن فقد أمرت بالحذر في التعامل مع حسن الظن، وذلك يرتبط بالتحديد الصحيح والمدروس لحال المجتمع فإن كانت البيئة المحيطة صالحة ومحصنة من مساوئ الأخلاق فعلى الإنسان أن يحسن الظن، دون ما لو كان الفساد مستوليا، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): “إِذَا اسْتَوْلَى الصَّلَاحُ عَلَى الزَّمَانِ وأَهْلِه – ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْه حَوْبَةٌ (الإثم) فَقَدْ ظَلَمَ، وإِذَا اسْتَوْلَى الْفَسَادُ عَلَى الزَّمَانِ وأَهْلِه – فَأَحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ فَقَدْ غَرَّرَ”.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين